بهم جميع الكفار، فحمل ها هنا مرةً على لفظ (من) فوحد لقلتهم، ومرةً على المعنى فجَمع، لأنهم وإن قلّوا جماعة، وجمع ما في يونس ليوافق اللفظ المعنى.
(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ).
جواب لو محذوف ليكون أبلغ، لأن المخاطب يترك مع غاية تخيّله.
ووقعت (إذ) موضع إذا التي هي لما يستقبل، وجاز ذلك، لأن الأمر المتيقن وقوعه يعبَّر عنه كما يعبَّر عن الماضي الوقوع.
و (وُقِفوا) معناه: حُبسوا، ولفظ هذا الفعل متعدياً وغير متعد سواء، تقول: وقفت أنا، ووقفت غيري.
قال الزهراوي: وقد فرّق بينهما في المصدر، ففي المتعدي وقفت وقْفاً، وفي غير المتعدي وقفت وقوفاَ.
ويحتمل أن يكون وقوفهم على النار دخولهم فيها، ويحتمل إشرافهم عليها
ومعايَنَتها.
فإن قلت: ما فائدة تكرير الوقوف؟
فالجواب: لأنهم أنكروا النارَ في القيامة، وأنكروا جزاءَ اللهِ ونكالَه في النار.
فختم بقوله: (فَذوقوا العذابَ بما كنْتم تكفرون).
وهذه استعارةٌ بليغة، والمعنى باشروه مباشرةَ الذائق، إذ هي من أشد المباشرات.
(وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) :
هذه الآية ابتداء كلام على تأويل الجمهور، وإخبار عنهم بهذه المقالة لإنكارهم البَعْثَ الأخروي.
فإن قلت: ما فائدة إسقاط قولهم: (نموت ونحيا)، في هذه الآية؟
والجواب: لأنها عند كثير من المفسرين متّصلة بقوله: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
وقالوا: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)، ولم يقولوا ذلك بخلاف ما في سائر السور، فإنهم قالوا ذلك، فحكى الله عنهم.