وإنما طلبوا الآية، لأنهم لم يعتدّوا بما أتى به، فكأنه لم يأت بشيء عندهم
لجحدهم وعنَادهم، وأيضاً فإنما طلبوا آيةً تضطرهم إلى الإيمان من غير نظَر ولا تأمل.
(وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهم ببعض) :
أي ابتلينا الكفّار بالمؤمنين، وذلك أنَّ الكفار كانوا يقولون: هؤلاء العبيد والفقراء مَنَّ الله عليهم بالتوفيق للحق والسعادة دوننا، ونحن أشرف منهم وأغنياء، وكان هذا الكلام منهم على جهة الاستبعاد لذلك.
(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
قد قدمنا مِرَاراً أنه - ﷺ - معصوم من الشيطان، وكيف لا وشيطانه أسلَم، كما قال - ﷺ -: " إن الله أعانني عليه فأسلم "، فالخطاب على هذا لأمته.
ومعنى الآية إن أنساك الشيطان النهي عن مجالستهم، فلا تَقْعد بعد أن تذكر
النّهيَ معهم.
وإما مركبة من إن الشرطية وما الزائدة.
(وما علَى الَذِين يتَّقون مِنْ حسابِهم مِنْ شَيْءٍ) :
الضمير في (حسابِهم) للكفار المستهزئين.
والمعنى ليس على المؤمنين شيء من حساب الكفار
على استهزائهم وضلالهم.
وقيل: إن ذلك يقتضي إباحةَ جلوسِ المؤمنين مع الكافرين، لأنهم شقَّ عليهم النهى عن ذلك، إذ كانوا لا بد لهم من مخالطتهم في طلب المعاش وفي الطَّوَاف بالبيت وغير ذلك، ثم نسخت بآيةِ النساء وهي:
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ).
وقيل: إنها لا تقتضي إباحةَ القعود.
(وليكون من الموقِنين) :
يتعلق بمحذوف تقديره: نرِيه
ملكوتَ السماوات والأرض ليكون عالماً من الموقنين.
(وتلك حُجتنَا) :
إشارة إلى ما تقدم من استدلاله واحتجاجه.