وأجاب بعضهم بأنه لما ذكر فاعل البدأة وفاعل النهاية أنه الله تعالى، عُلِمَ أن
ما بينهما من فعله، فاكتفي بذلك، ولم يحتَجْ إلى ذكره في الرد إلى أرذل العمر، لأنها حالةٌ متوسطة بين البداية والنهاية.
(ويعبدون من دونِ الله ما لا يَملكُ لهم رِزْقاً) :
الضمير راجع للكفار، يعني أنهم يعبدون الأصنام وغيرهم.
فإن قلت: لَمْ يخصُّوهم بالعبادة لأنهم يقولون: (ما نَعْبُدهم إلا ليُقَربونا إلى
الله زلْفى)، فلِمَ ذكر هنا العبادة لهم، وما فائدة إبراز الضمير في لهم؟
والجواب أن ذلك الجزء الذي صرفوه لهم من العبادة، عبدوهم وهم فيه من
دون الله، وإنما أبرز الضمير، لأنه إذا أبرز الضمير لمن عبده فأحْرَى ألا يملكه
لغيره، وقدْ قدمنا أن (شيئاً) في الآية بدل من (رزقاً).
(ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كلَّ شيء) :
يحتمل أن يريدَ رحمته في الدنيا، فيكون خصوصاً في الرحمة وعموماً في كل شيء، لأن المؤمن والكافر والْمُطيع والعاصي تنالهم الرحمة ونعمته في الدنيا.
ويحتمل رحمةَ الآخرة فيكون خصوصاً في كل شيء، لأن الرحمة في الآخرة مختصة بالمؤمنين.
ويحتمل أن يريد جنْس الرحمة على الإطلاق، فيكون عموماً في الرحمة وفي كل شيء.
وقد صح أنً للهِ مائة رحمة، رحمة في الدنيا للجميع، ويضم هذه الرحمة للتسعة وتسعين ويخصها بالمؤمنين.
(وقَطَّعْناهم في الأرض أُمَماً) :
أي فرقناهم في البلاد، ففي كل بلد فرقة منهم، وليس لهم إقليم يملكونه، وذلك بقتلهم الأنبياء.
(وإذْ أخذَ رَبك مِنْ بني آدَمَ) :
في معنى الآية قولان:
إن اللَهَ لما خلق آدم أخرج ذرِّيته من صلبه وهم مثل الذر، وأخذ عليهم
العهد بأنه ربهم، فاقرّوا بذلك، والتزموا.
روي هذا المعنى عن رسول الله - ﷺ - من طرق كثيرة، وقال به جماعة ٌ من الصحابة وغيرهم.