لا تدْخِلوا معكم أحدًا من أهل تهامة لمحبتهم في محمد، فلما دخلوا قال لهم عتبة: إن الموت حق، فاصبروا حتى يقضيَ الله على محمد فتَنْجوا من شره.
فقال له إبليس: أفّ لك! أين أنْتَ عن التدبير، أنت لا تصلح إلا لرَعْي المواشي، فلو صبرتم حتى يموتَ محمد يظهر دِينه في مشارق الأرض ومغاربها، فتجمع عنده عساكر عظيمة لمحاربتكم، فيهلككم.
فقالوا: صدق الشيخ النجدي.
ثم قال شيبة: إني أرى أنْ نحْبِسه في بيتٍ ونغلق أبوابه حتى يموت فيه جوعاً وعطشا.
فقال إبليس: وهذا أيضاً ليس بصوابِ، فإنَّ بني هاشم يجتمعون ويأخذونه من أَيديكم، ويخلون سبيله، ويقع بينكمَ وبين أقربائه عداوة عظيمة.
فقالوا: صدق الشيخ النَّجْدي.
فقال عامر بن وائل: نعضد محمداً على بعير ونَسوقه في البادية
ليهلك فيها.
فقال إبليس: ليس بصواب، لأن محمداً فصيح اللسان، مَليح
الجنان، قويم القامة، صبيح الوَجْه، كلّ مَن رآه أحبه، وربما لقِيَه أحدٌ وهداه إلى البلاد، فيصدقه كلّ من يسمع كلامه، ويجتمع عنده جمع عظيم، فيرجع إليكم، ويحاربكم، فصاحوا جميعاً: صدق الشيخ النجدي.
فقال أبو جهل لعنه الله: إني أرى أنْ نخْرِجَ من كل قبيلة شابّاً فيهجمون
على محمد في ليلة فيضربه كلّ واحد منهم ضربةً جميعاً بالأسلحة حتى لا يعْلم قاتِله بعينه، فإذا طَلب أقارِبه الديةَ نجمَع الأموال من القبائل ونعْطيهم وننجو من شره.
فقال إبليس: أحسنْتَ وأصبْتَ، لرَأْيك أحسن الرأي، وتدبيرك أحسن
التدبير، فاتفقوا عى قَتْله - ﷺ -، وتفرقوا من دار الندوة، فنزل جبريل بهذه الآية، تم قال: إن الله يقول لكَ: اخرج من مكة.
فأتى إلى أبي بَكْر، وكان يأتيه كلّ يوم طرفي النهار، فأتاه في الظَّهيرة، فقال أبو بكر: ما جاء بك في هذا الوقت، فِداك أبي وأمي؟
فقال لي: أَخرِج مَنْ معك.
فقال: وهل هم إلا أهلك.
فقال: أما شعرت أنَّ الله أمرني بالخروج، وكان يقول لأبي بكر: لا تهاجر حتى أَجِدَ لك رفيقاً، فقال له: الصحبة يا رسول الله، فقال: الصحبة.
فقال: خذْ إحدى هاتين الناقتين.
فقال له: لا آخذها إلا بالثمن، ليكون مهَاجراً بنفسه وماله.