تناوَلَهُ الذمُّ، وليس المراد مَنْ جَمعَ هذه الأوصاف، بل من اتصف بواحدٍ منها.
فإن قلت: هل قوله تعالى: (لهم اللعنةُ ولهم سوءُ الدار)، لمن
اتصف بها، سواء كان مؤمناً أو كافراً؟
والجواب: أنَّ اللعنةَ للكفار وسوء الدار للعُصَاة، فهو لفٌّ ونشر! وإدخال
اللام تهكم بهم وإشارة إلى أن اللعنةَ أمرٌ ملائم لهم ومناسبٌ لفعلهم! فليَحْذَر
العاقلُ هذا الوعيد الهائل ولا يستحقر العاصي.
(وفَرِحوا بالحياةِ الدنيا) :
هذا يرجع إلى الكفار الذين جعلوا الدنيا دَارَهم، وهل هي إلا سجنُ المؤمن إن عقل، لِمَا يَسْتَولي عليه فيها من الهموم والبلايا والحيات والقمل.
ووَجْهُ المناسبة بينها وبين السجن ظاهرة، فانظر ما أغْفَلَنا عن الآخرة مع
مشاهدتنا لهذه الأمور! ولهذا تجد الكفار يوسعَّ عليهم في الدنيا ليزدادُوا كفْرا
وفِسقاً، وكذلك الموسَّع عليه منا أكثر ترفُّهاً وعصياناً، ولهذا قال في حديث: " أولئك قوم عجلت لهم طيباتُهم في الدنيا ".
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) :
لولا للتحضيض، كقول الفقير للغني: لولا أحسنْتَ إليَّ.
فأجابهم الله بأن يقول لهم: إنما أنا عبد، والعبد ليس له مع سيده اختيارٌ، وسيِّدُه أعلمُ بأموره، إما أنْ يضلّه أو يهدي إليه مَنْ أناب.
فإن قلت: لم جعل فعْلَ المشيئة مضارعاً والإنابة ماضياً، والمناسب العكس.
لأن مشيئة الله قديمة وإنابة العبد حادثة، وفي غافر: (وما يتَذَكَّرُ إلا مَنْ
يُنيب) ؟
فالجواب، أن فعل المشيئة أتى مضارعاً باعتبار متعلّقها، وهو من فعل العبد
وغير مطلوب لأن أصلها من الله، فلم يحتَجْ إلى طلب متعلّقها.
والإنابة من فعل