يأخذ في الزيادة إلى الشمال والجهة التي طال ظلّه إليها لم تكن له قبل ذلك، وكلما زاد بعد إلى جهة يسار الناظر، فكأنّ تلك الزيادة بتكثرها واختلافها شمائل، بخلاف أول النهار فإنه لم يزدْ، بل نقص عن حدِّه الذي كان، فصار كأنه بعْض اليمين، فضلاً عن أن يكون أيمان.
الوجه الثاني أنَّ اليمين مأخوذ من اليمن، وذلك راجع إلى طريق الحق.
والشمال راجع إلى طريق الباطل بدليل قوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ).
(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ).
وطريق الحقّ واحدةٌ وطرقُ الباطل متعددة، والآية دالَّةٌ على كمال التوحيد
لله عزّ وجل، لأن مذهبنا أنَّ الأعراضَ لا تبقى زمانين، فما مِنْ جوهر إلا وهو مفتقرٌ في كلّ زمن إلى أعراض يستمد بها، ولا بد لذلك مِنْ فاعل، ولا يصح تعدّد ذلك الفاعل لما تقرَّرَ في دلالة المانع.
فإن قلْتَ: هلا قيل: أولم يَرَوْا إلى ما خلق من شيء - فقط، ويكفي هذا في
الاعتبار، فإنَّ العبرةَ بالتفكر بالنظر إلى لقاح الشجرة التي في رؤية العين: عود يابس، وبروزُ الثمر منها والورق أقوى من العبرة بالنظر إلى ظلالها؟
والجواب: أنَّ الظلال إنما تنشأ عن ملاقاة نور جرم الشمس جرم الشجر
الكثيف المظلم.
ومذهبنا أنَّ الأجسامَ متساويةٌ في الحد والحقيقة، فلا فَرْقَ بين الشمس
والشجرة، فحجبت الشجرة بكثافتها وظلمتها نورَ الشمس، وما ذاكَ إلا
لتخصيص أوْجبه الله تعالى.
ولا بدّ لذلك من مخصِّص، ويستحيل تعدّده، فدلّ ذلك على أنه واحد.
قال الزمخشري: والسجود هنا الانقياد، وجعله متَنَاوِلاً للعاقل وغيره، لأنه
قال: أي يرجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله غير ممتنعة عليه فيما
سخرَها له من التفيؤ، والأجرام في نفسها صاغرةٌ منقادة لأفعال الله فيها،