آدم أن يقيم في الجنة، فجعل الله بأكل إخنطة وتناولها سببا لخروجه من الجنة!
لينفذَ ما قضى وقدّر.
وكذلك النبي - ﷺ - أراد أن يكونَ مقامه بمكة، وكان في حِكمَة الحكيم أن يمكث في المدينة مدةً، ويعلي كلمتَه فيها، فجعل جفاء المشركين سبباً لخروجه منها، لسَبقِ مقاديره إلى مواقيتها.
كذلك العَبْد المخلص يريد أن يكون في طاعة ربه، ولا يقع في مخالفته.
وكان في حكمة الحكيم أن يكون كفوراً وغافرًا وغفَّاراً، فجعل خذلان العاصي سبباً لخروجه عن أمره، ثم يمنُّ عليه بالتوبة، فيتداركه برحمته، فيظهر حكمته وتقديره، ويبدي للعالمين غفرانه.
ومنها لكون الكفَّار في صلبه إذ لم تكن الجنة محلاً للكافرين، وكذلك المؤمن
يخرجه من النار لكون المعرفة في قلبه، إذ ليست النار محلاَّ للعارفين.
ومثال المؤمن والكافر في صلب آدم كتاجر أخفى المسك في وسط البُحْدُق
حتى لا يحسَّ به قاطع الطريق، فإذا بلغ الْمَأمَن كان المسك قد أخذ بطرف من رائحة البُحْدُق، وكذلك البُحْدُق تعلق به شيءٌ من رائحة المسك، فيبسطهما على بساط فتهحت الرياح فتتلاشى الروائح المستعارة، كلّ رائحة تعود إلى أَصْلها، فيبقى الأصل على ما خُلق عليه.
فكذلك الكافر والمؤمن في صلْب آدم، فأصاب الكافر رائحةً من المؤمن، فيعمل منها الحسنات، وأصاب المؤمن رائحةً من الكافر فيعمل منها السيئات، فإذا كان يوم القيامة يجمعهم اللَّهُ في بساطٍ واحد، فتهب رياح القيامة، فترجع حسنات الكافر إلى المؤمن، ويرثُ بها منزله في الجنة، وسيئات المؤمن إلى الكافر ويرث بها منزلَه في النار فتتلاشى العواري، وتبقى الأصول على ما قُدر وقُضى، قال تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
وقال: (وليَحمِلُنَّ أَثقالهم وأثقالاً مع أَثْقالهم).
ومنها أنه كان في خروجه من الجنة رحمة من الله له وإكراماً بالنبوءة والتكاليف.