(فكرهْتموه)، ثم التعريف بأن من التقوى تَرْكَ ذلك، ثم التحريض على التوبة
بقوله: (واتقوا الله إنَّ الله توَّابٌ رحيم).
قال أبو علي الفارسي: كراهة هذا اللحم يدعو إليها الطبع، وكراهة الغيبة
يدعو إليها العقل، وهو أحقّ أن يجاب، لأنه بصير عالم، والطبع أعمى جاهل.
وصَحَّ أنَّ " دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ".
ونواهيها مشهورة جدًّا، فما ظنّكَ بكلمة لا تسلم منها بتوبةٍ للمظلمة حتى تبرأ، فهي أشدّ على النفس من الربا والزنى، وتنقل حسناتك لغيرك، وتعذَّب بذنوبه التي تحملتها بغيبته، وعرّضتك لسخْطِ الله ومَقْته، وكان تعالى فيها خصيمك.
ويقال ليتكَ استحيَيتَ من الله كاستحيائك من مخلوق لا تغتابه بحضرته، فإنا
للَه وإنّا إليه راجعون من خصلةٍ نحن فيها ليلاً ونهارا ولا ازدجار منها، ولا
تَوْبَة، ونتهاون بها، ونعظم الربا، مع أنها أعظم كما تقدم ويظهر لك بالحديث:
" الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل أنْ يطأ الرجل أمَّه ".
وفي حديث آخر: " إن من أربى الربا استطالَة المسلم في عِرْض أخيه بغير حق ".
فانظر بُعْد ما بينهما يلُحْ لك عظيم ما ارتكبناه، إلا أن يعفو الله بإرضاء خصمائنا وإلا هلكنا.
(رَبَّنَا ظلمْنَا أنفسنا وإنْ لم تَغْفِرْ لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين).
وكان الواجب علينا ألاَّ نخاطب ربَّنا بهذا الخطاب إلاَّ بعد التوبة النصوح.
وحسن الارتجاع، لكنا نرجو من كرم الكريم العفْوَ عن اللئيم بجاهِ نبيه الكريم.
(يَرْتابوا) : يشكّوا.
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا).
نزلت في بني أسد من خزيمة، وهي قبيلةٌ كانت تجاورُ المدينة، وكانوا مسلمين ظاهرًا ويحبون المغانم وعَرَضَ الدنيا، فقالوا: يا رسول اللهِ، إنَّا آمنّا بكَ وصدقناك، ولم نحارِبْك كما فعلَتْ هوازنُ وغطفان وغيرهم.
فَردَّ الله عليهم بقوله: (بل الله يَمُنُّ عليكم) : يحتمل أن يكون بمعنى ينعم عليكم، أو بمعنى يذكر إنعامَه.
وهذا أحسنِ، لأنه في مقابلة: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ).