وكمل لا يشعر بذلك.
وقال العسكري: الكمال اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به.
والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف، ولهذا يقالُ للقافية تمام البيت، ولا يقل كماله.
ويقولون البيت بكماله أي باجتماعه.
ومن ذلك الإعطاء والإيتاء! قال الخويي: لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما.
وظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغةِ كتاب الله، وهو ان الإيتاء أقوى من
الإعطاء في إثبات مفعوله، لأنَّ الإعطاء له مطاوع، تقول: أعطاني فعطوتُ، ولا يقال في الإيتاء: أتاني فأتيت، وإنما يقال آتاني فأخذت.
والفعل الذي له مطاوع أضعفُ في إثبات مفعوله من الذي لا مطَاوع له، لأنك تقول: قطعته فانقطع، فيدلّ على أنَّ فعل الفاعل كان موقوفاً على قبول في المحل، لولاه ما ثبت المفعول.
ولهذا يصح قطعته فما انقطع.
ولا يصح فيما لا مطاوعَ له ذلك، فلا يجوز ضربته فانضرب، أو فما انضرب، ولا قتلته فانقتل ولا فما انقتل، لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعولُ في المحل، والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوعَ لها، فالإيتاء أقوى من الإعطاء.
قال: وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدتُ ذلك مراعى، قال تعالى:
(تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ)، لأن الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا مَنْ له قوة، وكذا قوله: (يؤْتي الحكمةَ مَنْ يشاء)، (آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي)، لعظم القرآن وشأنه: وقال: (إنّا أعطيناكَ الكوثر)، لأنه مورود في الموقف مرْتحل عنه قريباً إلى منازل العزّ في الجنة، فعبَّر فيه بالإعطاء، لأنة يُترك عن قرب، وينتقل إلى ما هو أعظم منه.
وكذا (يعْطيكَ رَبُّكَ فَترْضَى)، لما فيه من تكرر الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كلّ الرضا، وهو مفسر أيضاً بالشفاعة، وهي نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه.
وكذا (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ)، لتكرّر حدوثِ ذلك باعتبار الموجودات.
حتى يعطوا الجِزْية، لأنها موقوفة على قبول - منا، وإنما يعطونها عن
كُرْه.