لو قيل " يبسط " لم يؤد الغرض، لأنه يؤذن بمزاولة الكلب البَسْط، وأنه يتجدد له شيئاً بعد شيء، فباسط أشعر بثبوت الصفة.
وقوله: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ)، لو قيل: رازقكم لفات ما أفاده الفعل من تجدد الرزق شيئاً بعد شيء، ولهذا جاء الفعل
في صورة المضارع مع أنَّ العامل الذي يفيده ماضٍ، نحو: (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ)، إذ المراد أنْ يفيد صورة ما هم عليه وقْتَ المجيء.
وأنهم آخذون في البكاء يجدِّدونه شيئاً بعد شيء، وهو المسمّى حكاية الحال
الماضية، وهذا هو سر الإعراضِ عن اسم الفاعل والمفعول، ولهذا أيضاً عبَّر
بالذين ينفقون، ولم يقل المنفقون، كما قيل المؤمنون والمتّقون، لأن النفقةَ أمر فِعْليّ شأنه الانقطاع والتجدد، بخلاف الإيمان، فإن له حقيقةً تقوم بالقلب يدوم مقتضاها.
وكذلك التقوى والإسلام، والصبر والشكر، والهدى والضلال.
والعمى والبصر، كلّها لها مسمَّيَاتٌ حقيقية أو مجازية تستمرُّ، وآثار تتجدد
وتنقطع، فجاءت بالاستعمالين.
وقال تعالى في آية الأنعام: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ).
قال الإمام فخر الدين: لما كان الاعتناء بإخراج الحيّ من اليت أشدّ أتى فيه بالمضارع ليدلَّ على التجدد، كما في قوله: (الله يَسْتَهزئُ بهم).
تنبيهات
الأول: المراد بالتجدد في الماضي الحصول، وفي المضارع أنَّ من شأنه أنْ
يتكرر ويقع مرةْ بعد أخرى، صرح بذلك جماعة منهم الزمخشري في قوله: (الله يستهزئُ بهم).
قال الشيخ بهاء الدين السبكي: وبهذا يتَّضِح الجواب عما يذكر من نحو: علم الله كذا، فإنَّ علم الله لا يتجدد، وكذا سائر الصفات الدائمة التي يستعمل فيها الفعل.


الصفحة التالية
Icon