عن عبد الله بن مسعود قال: «من كان منكم متأسيا فليتأسّ بأصحاب رسول الله ﷺ فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم».
وقال الإمام الشافعي عنهم: «هم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع، وعقل، وأمر استدرك به علم، واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا».
أدوات الاجتهاد في التفسير عند الصحابة
أ- معرفة أوضاع اللغة العربية وأسرارها، فإن ذلك يعين على فهم الآيات التي لا يتوقف فهمها على غير لغة العرب.
«فقد ورد أن عمر بن الخطاب قال: عليكم بديوانكم لا تضلوا، قالوا وما ديواننا؟ قال: شعر العرب، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم».
ب- معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها... في عصر التنزيل.
فذلك مما يعين على فهم القرآن ويبعد من الوقوع في الشّبه.
فمن عرف منهم أن خزاعة عبدت «الشعرى» ولم يعبد العرب كوكبا سواها عرف سر تخصيصها بالذكر في قوله تعالى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى.
ت- معرفة أسباب النزول وما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات فإنها قرائن تعين على الفهم.
يقول الواحدي «١» : لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها.
وفي جواب ابن عباس لعمر بن الخطاب ما يبين أهمية معرفة سبب النزول:
إذ سأله عمر بن الخطاب عن سر اختلاف الأمة، فقال له: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيم نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا «٢».
ث- معرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن، إذ تعين على فهم الآيات التي تتحدث عنهم أو ترد عليهم.
ح- قوة الفهم وسعة الإدراك.
وبدهي أنهم قد تفاوتوا في ذلك، وقد كان ابن عباس صاحب النصيب الأوفر في ذلك، بدعاء النبي ﷺ له.
(٢) الموافقات ٣/ ٣٤٨، أصول التشريع الإسلامي ٣٥.