للحوادث التي تظهر عن الإرادة فإنها تجيء مؤتنفة من تطهير المؤمنين وإتمام النعم عليهم، وتعدية أراد وما تصرف منه بهذه اللام عرف في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
| أريد لأنسى ذكرها فكأنما | تمثل لي ليلى بكل سبيل |
| أردت لكيما يعلم الناس أنها | سراويل قيس والوفود شهود |
وقوله تعالى: وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ الآية، إعلام بما لا يوازى بشكر من عظيم تفضله تبارك وتعالى، ولَعَلَّكُمْ: ترجّ في حق البشر، وقرأ سعيد بن المسيب «يطهركم» بسكون الطاء وتخفيف الهاء.
قوله عز وجل:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧ الى ٨]
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨)
الخطاب بقوله: وَاذْكُرُوا إلى آخر الآية هو للمؤمنين بمحمد ﷺ ونِعْمَةَ اللَّهِ اسم جنس يجمع الإسلام وجمع الكلمة وعزة الحياة وغنى المال وحسن المآل، هذه كلها نعم هذه الملة، والميثاق المذكور هو ما وقع للنبي ﷺ في بيعات العقبة وبيعة الرضوان وكل موطن قال الناس فيه سمعنا وأطعنا هذا قول ابن عباس والسدي وجماعة من المفسرين. وقال مجاهد: الميثاق المذكور هو المأخوذ على النسم حين استخرجوا من ظهر آدم، والقول الأول أرجح وأليق بنمط الكلام.
ثم أمر تعالى المؤمنين بالقيام دأبا متكررا بالقسط وهو العدل، وقد تقدم نظير هذا في سورة النساء وتقدم في صدر هذه السورة نظير قوله: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [المائدة: ٢] وباقي الآية بيّن متكرر والله المعين.