ثم وعظ تعالى عباده مذكرا لهم بالمودة التي بين الزوجين الموجبة لحياطة مال المرأة، إذ قد أخذ منها العوض عما أعطيته، وَكَيْفَ في موضع نصب على الحال وأَفْضى معناه: باشر وجاوز أقصى المجاوزة ومنه قول الشاعر: [الطويل]
بلى وثأى أفضى إلى كلّ كثبة | بدا سيرها من ظاهر بعد باطن |
الميثاق الغليظ الولد، ومن شاذ الأقوال في هذه الآية، أن بكر بن عبد الله المزني قال: لا يجوز أن يؤخذ من المختلعة قليل ولا كثير، وإن كانت هي المريدة للطلاق، ومنها أن ابن زيد قال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [البقرة: ٢٢٩].
قال القاضي أبو محمد: وليس في شيء من هذه الآيات ناسخ ولا منسوخ، وكلها ينبني بعضها مع بعض.
قوله تعالى:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣)
هذه الآية مخاطبة للمؤمنين من العرب في مدة نزول الآية ومعنى الآية: والتحريم الذي بعدها مستقر على المؤمنين أجمع، وسبب الآية: أن العرب كان منهم قبائل قد اعتادت أن يخلف الرجل على امرأة أبيه، على ما ذكرناه من أمر أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، ومن ذلك خبر أبي قيس بن الأسلت، ومن ذلك صفوان بن أمية بن خلف، تزوج بعد أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد، وكانت امرأة أبيه قتل عنها، ومن ذلك منظور بن زيان، خلف على مليكة بنت خارجة، وكانت عند أبيه زيان بن سيار، إلى كثير من هذا، وقد كان في العرب من تزوج ابنته، وهو حاجب بن زرارة، تمجس وفعل هذه الفعلة، ذكر ذلك