ورد عليه وعيد بنار أو عذاب أو لعنة أو ما أشبه ذلك، وقالت فرقة من الأصوليين: هي في هذا الموضع أنواع الشرك التي لا تصلح معها الأعمال، وقال رجل لابن عباس: أخبرني عن الكبائر السبع، فقال: هي إلى السبعين أقرب، وقال ابن عباس: كل ما نهى الله عنه فهو كبير، فهنا يدخل الزنا، وشرب الخمر، والزور، والغيبة، وغير ذلك مما قد نص عليه في أحاديث لم يقصد الحصر للكبائر بها، بل ذكر بعضها مثالا، وعلى هذا القول أئمة الكلام: القاضي، وأبو المعالي، وغيرهما: قالوا: وإنما قيل: صغيرة بالإضافة إلى أكبر منها وهي في نفسها كبيرة من حيث المعصي، بالجميع واحد، وهذه الآية يتعاضد معها حديث رسول الله ﷺ في كتاب الوضوء من مسلم، عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله. واختلف العلماء في هذه المسألة فجماعة من الفقهاء وأهل الحديث يرون أن الرجل إذا اجتنب الكبائر وامتثل الفرائض، كفرت صغائره كالنظر وشبهه قطعا بظاهر هذه الآية وظاهر الحديث، وأما الأصوليون فقالوا: لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، وإنما يحمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء، والمشيئة ثابتة، ودل على ذلك أنه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض بتكفير صغائره قطعا لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بأنه لا تباعة فيه، وذلك نقض لعرى الشريعة. ومحمل الكبائر عند الأصوليين في هذه الآية أجناس الكفر، والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها: قوله تعالى: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ٤٨ و ١١٦] وكَرِيماً يقتضي كرم الفضيلة ونفي العيوب، كما تقول: ثوب كريم، وكريم المحتد، وهذه آية رجاء، روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: خمس آيات من سورة النساء هي أحب إليّ من الدنيا جميعا، قوله: إِنْ تَجْتَنِبُوا الآية، وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: ٤٨ و ١١٦]، وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ
[النساء: ١١٠] وقوله أيضا: يُضاعِفْها [النساء: ٤٠] وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [النساء: ١٥٢].
قوله تعالى:
[سورة النساء (٤) : آية ٣٢]
وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢)
سبب الآية أن النساء قلن: ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشركناهم في الغزو، وروي أن أم سلمة قالت ذلك أو نحوه، وقال الرجال: ليت لنا في الآخرة حظا زائدا على النساء، كما لنا عليهن في الدنيا، فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد: لأن في تمنيهم هذا تحكما على الشريعة وتطرقا إلى الدفع في صدر حكم الله، فهذا نهي عن كل تمنّ لخلاف حكم شرعي، ويدخل في النهي أن يتمنى الرجل حال الآخر من دين أو دنيا، على أن يذهب ما عند الآخر، إذ هذا هو الحسد بعينه، وقد كره بعض العلماء أن يتمنى أحد حال