رجل ينصبه في فكره وإن لم يتمنّ زوال حاله، وهذا في نعم الدنيا، وأما في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن، وأما إذا تمنى المرء على الله من غير أن يقرن أمنيته بشيء مما قدمناه فذلك جائز، وذلك موجود في حديث النبي عليه السلام في قوله «وددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا فأقتل» وفي غير موضع، ولقوله تعالى: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وقوله تعالى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ الآية قال قتادة: معناه من الميراث، لأن العرب كانت لا تورث النساء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف، ولفظة الاكتساب ترد عليه ردا بينا، ولكنه يتركب على قول النساء: ليتنا ساوينا الرجال في الميراث، فكأنه قيل بسببهن: لا تتمنوا هذا فلكل نصيبه، وقالت فرقة:
معناه من الأجر والحسنات، فكأنه قيل للناس: لا تتمنوا في أمر خلاف ما حكم الله به، لاختيار ترونه أنتم، فإن الله قد جعل لكلّ أحد نصيبا من الأجر والفضل، بحسب اكتسابه فيما شرع له.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول هو الواضح البيّن الأعم، وقالت فرقة: معناه: لا تتمنوا خلاف ما حد الله في تفضيله، فإنه تعالى قد جعل لكل أحد مكاسب تختص به، فهي نصيبه، قد جعل الجهاد والإنفاق وسعي المعيشة وحمل الكلف كالأحكام والإمارة والحسبة وغير ذلك للرجال، وجعل الحمل ومشقته وحسن التبعل وحفظ غيب الزوج وخدمة البيوت للنساء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كقول الذي قبله، إلا أنه فارقه بتقسيم الأعمال، وفي تعليقه النصيب بالاكتساب حض على العمل، وتنبيه على كسب الخير، وقرأ جمهور السبعة «واسألوا» بالهمز وسكون السين، وقرأ الكسائي وابن كثير «وسلوا» ألقيا حركة الهمزة على السين، وهذا حيث وقعت اللفظة إلا في قوله وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ [الممتحنة: ١٠] فإنهم أجمعوا على الهمز فيه، قال سعيد بن جبير، وليث بن أبي سليم: هذا في العبارات والدين وأعمال البر ليس في فضل الدنيا، وقال الجمهور: ذلك على العموم، وهو الذي يقتضيه اللفظ، وقوله: وَسْئَلُوا يقتضي مفعولا ثانيا، فهو عند بعض النحويين في قوله:
مِنْ فَضْلِهِ التقدير واسألوا الله فضله، وسيبويه لا يجيز هذا لأن فيه حذف «من» في الواجب، والمفعول عنده مضمر، تقديره واسألوا الله الجنة أو كثيرا أو حظا من فضله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الأصح، ويحسن عندي أن يقدر المفعول- أمانيكم، إذ ما تقدم يحسن هذا التقدير، وقوله: بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً معناه: أن علم الله قد أوجب الإصابة والإتقان والإحكام، فلا تعارضوا بثمن ولا غيره، وهذه الآية تقتضي أن الله يعلم الأشياء، والعقائد توجب أنه يعلم المعدومات الجائز وقوعها وإن لم تكن أشياء، والآية لا تناقض ذلك، بل وقفت على بعض معلوماته وأمسكت عن بعض.
قوله تعالى:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤)