والإنفاق إذا احتاجا واجب، وسائر ذلك من وجوه البر والإلطاف وحسن القول، والتصنع لهما مندوب إليه مؤكد فيه، وهو البر الذي تفضل فيه الأم على الأب، حسب قوله عليه السلام للذي قال له من أبر؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أباك، ثم الأقرب فالأقرب، وفي رواية: ثم أدناك أدناك، وقرأ ابن أبي عبلة «إحسان» بالرفع، و «ذو القربى» : هو القريب النسب من قبل الأب والأم، وهذا من الأمر بصلة الرحم وحفظها، وَالْيَتامى: جمع يتيم، وهو فاقد الأب قبل البلوغ، وإن ورد في كلام العرب يتم من قبل الأم فهو مجاز واستعارة، وَالْمَساكِينِ: المقترون من المسلمين الذين تحل لهم الزكاة، وجاهروا بالسؤال، واختلف في معنى الْجارِ ذِي الْقُرْبى وفي معنى الْجُنُبِ، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم: الجار ذو القربى هو الجار القريب النسب، وَالْجارِ الْجُنُبِ هو الجار الأجنبي الذي لا قرابة بينك وبينه، وقال نوف الشامي: الجار ذو القربى هو الجار المسلم، وَالْجارِ الْجُنُبِ هو الجار اليهودي أو النصراني، فهي عنده قرابة الإسلام وأجنبية الكفر، وقالت فرقة: الجار ذو القربى هو الجار القريب المسكن منك، والجار الجنب هو البعيد المسكن منك، وكأن هذا القول منتزع من الحديث، قالت عائشة، يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال إلى أقربهما منك بابا، واختلف الناس في حد الجيرة، فقال الأوزاعي: أربعون دارا من كل ناحية جيرة، وقالت فرقة: من سمع إقامة الصلاة فهو جار ذلك المسجد، وبقدر ذلك في الدور وقالت فرقة: من ساكن رجلا في محلة أو مدينة فهو جاره، والمجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض، أدناها الزوج كما قال الأعشى: [الطويل] أيا جارتي بيني وبعد ذلك الجيرة الخلط، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
سائل مجاور جرم هل جنيت لها | حربا تفرّق بين الجيرة الخلط |
وحكى الطبري عن ميمون بن مهران: أن الجار ذا القربى أريد به جار القريب، وهذا خطأ في اللسان، لأنه جمع على تأويله بين الألف واللام والإضافة، وكأن وجه الكلام وجار ذي القربى، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة
«والجار ذا القربى» بنصب الجار، وحكى مكي عن ابن وهب أنه قال عن بعض الصحابة في الْجارِ الْجُنُبِ: إنها زوجة الرجل وروى المفضل عن عاصم أنه قرأ
«والجار الجنب» بفتح الجيم وسكون النون، والْجُنُبِ في هذه الآية معناه. البعيد، والجنابة البعد، ومنه قول الشاعر وهو الأعشى: [الطويل]
أتيت حريثا زائرا عن جنابة | فكان حريث عن عطائي جامدا |
ومنه قول الآخر، وهو علقمة بن عبدة: [الطويل]
فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة | فإني امرؤ وسط القباب غريب |
وهو من الاجتناب، وهو أن يترك الشيء جانبا، وسئل أعرابي عن الْجارِ الْجُنُبِ، فقال: هو الذي