ويبارون ويماثلون، وقرأ عاصم وحده من السبعة وطلحة بن مصرف «يضاهئون» بالهمز على أنه من ضاهأ وهي لغة ثقيف بمعنى ضاهى.
قال القاضي أبو محمد: ومن قال إن هذا مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء وهي التي لا تحيض وقيل التي لا ثدي لها سميت بذلك لشبهها بالرجال فقوله خطأ قاله أبو علي: لأن الهمزة في ضاهأ أصلية وفي ضهياء زائدة كحمراء، وإن كان الضمير في يُضاهِؤُنَ لليهود والنصارى جميعا فالإشارة بقوله الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ هي إما لمشركي العرب إذ قالوا الملائكة بنات الله وهم أول كافر وهو قول الضحاك: وإما لاسم سالفة قبلهما، وإما للصدر الأول من كفرة اليهود والنصارى، ويكون يُضاهِؤُنَ لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان الضمير في يُضاهِؤُنَ للنصارى فقط كانت الإشارة ب الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ إلى اليهود، وعلى هذا فسر الطبري وحكاه الزهراوي عن قتادة، وقوله قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم عام لأنواع الشر، ومعلوم أن من قاتله الله فهو المغلوب المقتول، وحكى الطبري عن ابن عباس أن المعنى لعنهم الله، وأَنَّى يُؤْفَكُونَ مقصده أنى توجهوا أو أنى ذهبوا وبدل مكان هذا الفعل المقصود فعل سوء يحق لهم، وذلك فصيح في الكلام كما تقول لعن الله الكافر أنى هلك كأنك تحتم عليه بهلاك وكأنه حتم عليهم في هذه الآية بأنهم يؤفكون، ومعناه يحرمون ويصرفون عن الخير، والأرض المأفوكة التي لم يصبها مطر، قال أبو عبيدة يُؤْفَكُونَ معناه يحدون.
قال القاضي أبو محمد: يريد من قولك رجل محدود أي محروم لا يصيب خيرا، وكأنه من الإفك الذي هو الكذب، فكأن المأفوك هو الذي تكذبه أراجيه فلا يلقى خيرا. ويحتمل أن يكون قوله تعالى:
أَنَّى يُؤْفَكُونَ ابتداء تقرير، أي بأي سبب ومن أي جهة يصرفون عن الحق بعد ما تبين لهم، و «قاتل» في هذه الآية بمعنى قتل وهي مفاعلة من واحد وهذا كله بين.
قوله عز وجل:
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)
واحد «الأحبار» حبر بكسر الحاء، ويقال حبر بفتح الحاء والأول أفصح، ومنه مداد الحبر، والحبر بالفتح: العالم، وقال يونس بن حبيب: لم أسمعه إلا بكسر الحاء، وقال الفراء: سمعت فتح الحاء وكسرها في العالم، وقال ابن السكيت الحبر: بالكسر المداد والحبر بالفتح العالم، و «الرهبان» جمع راهب وهو الخائف من الرهبة، وسماهم أَرْباباً وهم لا يعبدوهم لكن من حيث تلقوا الحلال والحرام من جهتهم،


الصفحة التالية
Icon