هذا ابتداء إخبار عنهم وحكم من الله تعالى عليهم بما تضمنته الآية، فقوله بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يريد في الحكم والمنزلة من الكفر، وهذا نحو قولهم الأذنان من الرأس يريدون في حكم المسح وإلا فمعلوم أنهما من الرأس، ولما تقدم قبل «وما هم منكم» حسن هذا الإخبار، وقوله يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ يريد بالكفر وعبادة غير الله وسائر ذلك من الآية لأن المنافقين الذين نزلت هذه الآيات فيهم لم يكونوا أهل قدرة ولا أفعال ظاهرة وذلك بسبب ظهور الإسلام وكلمة الله عز وجل، و «القبض» هو عن الصدقة وفعل الخير، وقوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ أي تركوه حين تركوا نبيه وشرعته فتركهم حين لم يهدهم ولا كفاهم عذاب النار، وإنما يعبر بالنسيان عن الترك مبالغة إذا بلغ وجوه الترك الوجه الذي يقترن به نسيان، وعلى هذا يجيء وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة: ٢٣٧] وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا [القصص: ٧٧] ثم حكم عليهم عز وجل بالفسق وهو فسوق الكفر المقتضي للخلود في النار.
وكان قتادة يقول فَنَسِيَهُمْ أي من الخير ولم ينسهم من الشر، وقوله وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ الآية، لما قيد الوعد بالتصريح بالشر صح ذلك وحسن وإن كانت آية وعيد محض، والْكُفَّارَ في هذه الآية المعلنون، وقوله هِيَ حَسْبُهُمْ أي كافيتهم وكافية جرمهم وكفرهم نكالا وجزاء، فلو تمنى أحد لهم عذابا لكان ذلك عنده حسبا لهم، وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ معناه أبعدهم عن رحمته، وعَذابٌ مُقِيمٌ معناه مؤبد لا نقلة له، وقوله تعالى كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الآية، أمر الله نبيه أن يخاطب بها المنافقين فيقول لهم كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، والمعنى أنتم كالذين أو مثلكم مثل الذين من قبلكم، وقال الزجّاج: المعنى وعدا كما وعد الذين من قبلكم فهو متعلق بوعد.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قلق، ثم قال كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ وأعظم فعصوا فأهلكوا فأنتم أحرى بالإهلاك لمعصيتكم وضعفكم، والخلاق الحظ من القدر والدين وجميع حال المرء وخلاق المرء الشيء الذي هو به خليق والمعنى عجلوا حظهم في دنياهم وتركوا باب الآخرة فاتبعتموهم أنتم.
قال القاضي أبو محمد: وأورد الطبري في تفسير هذه الآية قوله ﷺ «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، وما شاكل هذا الحديث مما يقتضي اتباع محمد ﷺ لسائر الأمم، وهو معنى لا يليق بالآية جدا إذ هي مخاطبة لمنافقين كفار أعمالهم حابطة والحديث مخاطبة لموحدين يتبعون سنن من مضى في أفعال دنيوية لا تخرج عن