وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال المقالة المتقدمة لنبي عمرو بن عوف والأول أكثر، واختلف أهل العلم في الأفضل بين الاستنجاء بالماء أو بالحجارة فقيل هذا وقيل هذا، ورأت فرقة من أهل العلم الجمع بينهما فينقي بالحجارة ثم يتبع بالماء، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه بلغه أن بعض علماء القيروان كانوا يتخذون في متوضياتهم أحجارا في تراب ينقون بها، ثم يستنجون بالماء أخذا بهذا القول.
قال القاضي أبو محمد: وإنما يتصور الخلاف في البلاد التي يمكن فيها أن تنقى الحجارة، وابن حبيب لا يجيز الاستنجاء بالحجارة حيث يوجد الماء، وهو قول شذ فيه، وقرأ جمهور الناس «يتطهروا»، وقرأ طلحة بن مصرف والأعمش «يطهروا» بالإدغام، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
«المتطهرين» بالتاء، وأسند الطبري عن عطاء أنه قال: أحدث قوم من أهل قباء الاستنجاء بالماء فنزلت الآية فيهم.
وروي أن رسول الله ﷺ قال: منهم عويم بن ساعدة ولم يسم أحد منهم غير عويم، وقوله: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ الآية استفهام بمعنى تقرير، وقرأ نافع وابن عامر وجماعة «أسس بنيانه» على بناء «أسس» للمفعول ورفع «بنيان» فيهما، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وجماعة «أسس بنيانه» على بناء الفعل للفاعل ونصب «بنيان» فيهما، وقرأ عمارة بن ضبا رواه يعقوب الأول على بناء الفعل للمفعول والثاني على بنائه للفاعل، والآية تتضمن معادلة بين شيئين، فإما بين البناءين وإما بين البانين، فالمعادلة الأولى هي بتقدير أبناء من أسس، وقرأ نصر بن علي ورويت عن نصر بن عاصم: «أفمن أس بنيانه» على إضافة «أس» إلى «بنيان» وقرأ نصر بن عاصم وأبو حيوة أيضا «أساس بنيانه»، وقرأ نصر بن عاصم أيضا «أسس بنيانه» على وزن فعل بضم الفاء والعين وهو جمع أساس كقذال وقذل حكى ذلك أبو الفتح، وذكر أبو حاتم أن هذه القراءة لنصر إنما هي «أسس» بهمزة مفتوحة وسين مفتوحة وسين مضمومة، وعلى الحكايتين فالإضافة إلى البنيان، وقرأ نصر بن علي أيضا «أساس» على جمع «أس» و «البنيان» يقال بنى يبني بناء وبنيانا كالغفران والطغيان فسمي به المبنى مثل الخلق إذا أردت به المخلوق، وقيل هو جمع واحده بنيانة، وأنشد في ذلك أبو علي: [الطويل]
كبنيانة القاري موضع رجلها | وآثار نسعيها من الدق أبلق |
و «الجرف» حول البئر ونحوه مما جرفته السيول والندوة والبلى. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو