شأنهم أن يقولوا إذا عدوا واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة، فهكذا هي لغتهم، ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو، وقوله وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ لفظ عام تحته إلزام الشريعة والانتهاء عما نهى الله في كل شيء وفي كل فن، وقوله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ قيل هو لفظ عام أمر به النبي ﷺ أن يبشر أمته جميعا بالخير من الله، وقيل بل هذه الألفاظ خاصة لمن لم يغز أي لما تقدم في الآية وعد المجاهدين وفضلهم أمر أن يبشر سائر الناس ممن لم يغز بأن الإيمان مخلص من النار والحمد لله رب العالمين، وقوله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ الآية، يقتضي التأنيب ومنع الاستغفار للمشركين مع اليأس عن إيمانهم إما بموافاتهم على الكفر وموتهم، ومنه قول عمر بن الخطاب في العاصي بن وائل لا جزاه الله خيرا، وإما بنص من الله تعالى على أحد كأبي لهب وغيره فيمتنع الاستغفار له وهو حي، واختلف المفسرون في سبب هذه الآية فقال الجمهور ومداره على ابن المسيب وعمرو بن دينار، نزلت في شأن أبي طالب، وذلك أن رسول الله ﷺ دخل عليه حين احتضر ووعظه وقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله تعالى، وكان بالحضرة أبو جهل وعبد الله بن أمية، فقالا له: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فقال أبو طالب: يا محمد والله لولا أني أخاف أن يعير بها ولدي من بعدي لأقررت بها عينك ثم قال: أنا على ملة عبد المطلب، ومات على ذلك، إذ لم يسمع منه النبي ﷺ ما قال للعباس، فنزلت: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: ٥٦] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فكان يستغفر له حتى نزلت هذه الآية فترك رسول الله ﷺ الاستغفار لأبي طالب، وروي أن المؤمنين لما رأوا رسول الله ﷺ يستغفر لأبي طالب جعلوا يستغفرون لموتاهم، فلذلك دخلوا في التأنيب والنهي.
والآية على هذا ناسخة لفعل النبي ﷺ إذ أفعاله في حكم الشرع المستقر وقال فضيل بن عطية وغيره: إن رسول الله ﷺ لما فتح مكة أتى قبر أمه فوقف عليه حتى سخنت عليه الشمس، وجعل يرغب في أن يؤذن له في الاستغفار لها، فلم يؤذن له فأخبر أصحابه أنه أذن له في زيارة قبرها، ومنع أن يستغفر لها، فما رئي باكيا أكثر من يومئذ، ونزلت الآية في ذلك، وقالت فرقة: إنما نزلت بسبب قول رسول الله ﷺ في المنافقين: والله لأزيدن على السبعين، وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما: إنما نزلت الآية بسبب جماعة من المؤمنين قالوا: نستغفر لموتانا كما استغفر إبراهيم ﷺ لأبيه فنزلت الآية في ذلك، وعلى كل حال ففي ورود النهي عن الاستغفار للمشركين موضع اعتراض بقصة إبراهيم ﷺ على نبينا وعليه، فنزل رفع ذلك الاعتراض في الآية التي بعدها، وقوله مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ يريد من بعد الموت على الكفر فحينئذ تبين أنهم أصحاب الجحيم أي سكانها وعمرتها، والاستغفار للمشرك الحي جائز إذ يرجى إسلامه ومن هذا قول أبي هريرة رضي الله عنه رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه، قيل له ولأبيه قال: لا، إن أبي مات كافرا، وقال عطاء بن أبي رباح:
الآية في النهي عن الصلاة على المشركين، والاستغفار هاهنا يراد به الصلاة.


الصفحة التالية
Icon