يرفعوا هذا «بالأسد»، وخبره منتظر، فلما شغل الأسد بمرافعة «١» «هذا» نصب فعله الذي كان يرافعه لخلوته «٢». ومثله «وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «٣» فإذا أدخلت عليه «كان» ارتفع بها والخبر منتظر يتم به الكلام فنصبته لخلوته.
وأما نصبهم فعل الواحد الذي لا نظير له مثل قولك: هذه الشمس ضياءً للعباد، وهذا القمر نورًا فإن القمر واحد لا نظير له، فكان أيضا عن قولك «هذا» مستغنيا ألا ترى أنك إذا قلت: طلع القمر، لم يذهب الوهم إلى غائب فتحتاج أن تقول «هذا» لحضوره، فارتفع بهذا ولم يكن نعتا، ونصبت خبره للحاجة إليه.
وقوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ... (٧)
انقطع معنى الختم عند قوله: «وَعَلى سَمْعِهِمْ». ورفعت «الغشاوة» ب «عَلى»، ولو نصبتها بإضمار «وجعل» لكان صوابا. وزعم المفضَّل «٤» أن عاصم بن أبي النَّجُود كان ينصبها، على مثل قوله في الجاثية: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً» «٥» ومعناهما واحد، والله أعلم. وإنما يحسن الإضمار في الكلام الذي يجتمع ويدل أوله على أخره كقولك: قد أصاب فلان المال، فبنى الدور والعبيد والإماء واللباس الحسن فقد ترى البناء لا يقع على العبيد والإماء ولا على الدواب ولا على الثياب، ولكنه من صفات اليسار

(١) «بمرافعة» كذا فى ش. وفى غيرها: «بمرافعه». هذا ومذهب الكوفيين ومنهم الفراء أنّ المبتدأ والخبر ترافعا يعنى أن المبتدأ رفع الخبر والخبر رفع المبتدأ لأن كلا منهما طالب للآخر ومحتاج إليه وبه صار عمدة. [.....]
(٢) أي عدم اشتغاله بمرافع.
(٣) «الله» مبتدأ و «غفور رحيم» خبران، فإذا دخل على الجملة كان يكون لفظ الجلالة مرفوعا بها، وينصب ما بعده.
(٤) هو المفضل الضبّىّ. كان من أكابر علماء الكوفة، توفى سنة ١٧١ هـ.
(٥) آية ٢٣ من السورة المذكورة.


الصفحة التالية
Icon