وقوله: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ «١» (٣٦) فإنه خاطب آدم وامرأته، ويقال أيضا: آدم وإبليس، وقال: «اهْبِطُوا» يعنيه ويعني ذريته، فكأنه خاطبهم. وهو كقوله: «فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» «٢». المعنى- والله أعلم- أَتَيْنا بما فينا من الخلق طائعين. ومثله قول إِبْرَاهِيم: «رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ». ثم قال:
«وَأَرِنا مَناسِكَنا» «٣» وفي قراءة عَبْد اللَّه «وأرهم مناسكهم» فجمع قبل أن تكون ذريته. فهذا ومثله فِي الكلام مما تتبين به المعنى أن تقول للرجل: قد تزوّجت وولد لك فكثرتم وعززتم.
وقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً... (٤٨)
فإنه قد يعود على اليوم والليلة ذِكْرُهما مرة بالهاء وحدها ومرة بالصفة فيجوز ذلك «٤» كقولك: لا تجزى نفس عن نفس شيئًا وتضمر الصفة، ثم
(٢) آية ١١ سورة فصلت.
(٣) آية ١٢٨ سورة البقرة.
(٤) مراده بالصفة حرف الجر كما هو اصطلاح الكوفيين، وهو هنا (فى) المتصل بالضمير العائد على اليوم (فيه) فحذف الجار والمجرور لأن الظروف يتسع فيها ما لا يتسع فى غيرها. والحذف هنا فيه خلاف بين النحويين، قال البصريون: التقدير «واتقوا يوما لا تجزى فِيهِ نفس عن نفس شيئا» ثم حذف فيه كما قال:
ويوما شهدناه سليما وعامرا قليلا سوى طعن النهال نوافله
أي شهدنا فيه.
وقال الكسائي: هذا خطأ لا يجوز (فيه) والتقدير «واتقوا يوما لا تجزيه نفس»، ثم حذف الضمير المنصوب، وإنما يجوز حذف الهاء لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها، قال: لا يجوز هذا رجل قصدت، ولا رأيت رجلا أرغب، وأنت تريد قصدت إليه وأرغب فيه. قال: ولو جاز ذلك لجاز (الذي تكلمت زيد) بمعنى تكلمت فيه.
وقال الفراء: يجوز حذف (الهاء) و (فيه)، وحكى جواز الوجهين عن سيبويه والأخفش والزجاج.