قلت: أن تأتي بالواو «١» معطوفةً على كلامٍ فى أوّله حادثة لا تستقيم إعادتُها على ما عُطِف عليها، فإذا كان كذلك فهو الصَّرْفُ «٢» كقول الشاعر «٣» :

لا تَنْهَ عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فَعلتَ عظِيمُ
ألا ترى أنه لا يجوز إعادة «لا» فِي «تأتي مثله» فلذلك سُمّي صَرْفًا إذْ كان «٤» مَعطوفًا ولم يستقم أن يُعاد فِيهِ الحادث الَّذِي قبله. ومثله من الأسماء التي نصبتها العربُ وهي معطوفة على مرفوع قولهم: لو تُركت والأسد لأكلك، ولو خُلِّيت ورأيَك لَضَلَلْتَ: لمَّا لم يحسن فِي الثاني أن تقول: لو تُركت وتُرك رأيُك لضللت تهبّيوا أن يعطِفوا حرفًا لا يستَقيمُ فِيهِ ما حَدَثَ فِي الَّذِي قبله. قال «٥» : فإنّ العرب تجيزُ الرفع لو تُرك عَبْد الله والأسد لأكله، فهل «٦» يجوز فِي الأفاعيل «٧» الّتي نصبت بالواو على الصرف أن تكون مردودة على ما قبلها وفيها معنى الصرف؟ قلت: نعم العرب تقول: لستُ لابي إِنْ لم أقتلك أو تذهب نفسي، ويقولون: والله لاضربنك أو تسبقني فِي الأرض، فهذا مردودٌ على أول الكلام، ومعناه الصرف لأنه لا يجوز على الثاني إعادة الجزم بِلَمْ، ولا إعادة اليمين على والله لتسبقني، فتجد ذلك إذا امتحنت الكلام. والصرف فِي غير «لا» كثير إلا أنا أخّرنا ذكره حتى تأتى مواضعه.
(١) فى ش، ج: «الواو».
(٢) يسمى الكوفيون هذه الواو (واو الصرف) إرشاد بصرفه عن سنن الكلام إلى أنها غير عاطفة، وشرط هذه الواو أن يتقدمها نفى أو طلب.
(٣) نسبه سيبويه فى كتابه ١/ ٤٢٤ (باب الواو) للأخطل. ويروى لأبى الأسود الدؤلي فى قصيدة طويلة.
(٤) فى أ: «كان به».
(٥) كأن الأصل: «قال قائل».
(٦) فى ش، ج: «وهل».
(٧) الأفاعيل جمع أفعال جمع فعل، عبر به إشارة إلى كثرة الوارد منه.


الصفحة التالية
Icon