السكوت يجوز به طرح الفاء. وأنت تراه فِي رءوس الآيات- لأنها فصولٌ- حَسَنًا «١» من ذلك: «قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا» «٢» والفاء حسنة مثل قوله: «فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا» «٣» ولو كان على كلمة واحدة لم تُسقط العرب منه الفاء. من ذلك: قُمتُ ففَعَلْت، لا يقولون: قمت فعلت، ولا قلت قال، حَتَّى يقولوا: قُلْتُ فقال، وَقُمْتُ فقام لأنها نَسَقٌ وليست باستفهام يوقف عليه ألا ترى أنه: «قالَ» فرعون «لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ. قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» «٤» فيما لا أحصيه. ومثله من غير الفعل كثيرٌ فِي كتاب اللَّه بالواو وبغير الواو فأما الذي بالواو فقوله: «قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ» «٥» ثُمَّ قَالَ بعد ذلك: «الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ». وقال فِي موضع آخر: «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ» «٦» وقال فِي غير هذا: «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» «٧» ثُمَّ قال فِي الآية بعدها: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» ولم يقل: وإنّ.
فاعْرِفْ بما جَرى تفسير ما بقي، فإنه لا يأتي إلا على الَّذِي أنْبَاتك به من الفصول أو الكلام المكتفى يأتي له جوابٌ. وأنشدني بعضُ العرب:
لما رأيتُ نَبَطًا أنْصَارا... شَمَّرتُ عن رُكْبَتِيَ الإزَارَا
كُنْتُ لها مِنَ النَّصارى جَارَا وقوله: لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ... (٦٨)
والعَوان ليست بنَعْتٍ لِلْبِكْرِ لأنها ليست بَهرِمَة ولا شابةً انقطع الكلام عند قوله: وَلا بِكْرٌ ثم استأنف فقال: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ والعوان يقال منه
(٢) آية ٣١ و ٣٢ سورة الذاريات.
(٣) آية ٢٧ سورة هود.
(٤) آية ٢٥ و ٢٦ سورة الشعراء.
(٥) آية ١٥ و ١٧ سورة آل عمران.
(٦) آية ١١٢ سورة التوبة.
(٧) آية ١٠ سورة البروج.