بعده فاختاروا «بَلى» «١» لأن أصلها كان رجوعا مَحْضا عن الجحد إذا قَالُوا: ما قال عَبْد اللَّه بل زيدٌ، فكانت «بل» كلمة عطف ورُجوع لا يصلح الوقوف عليها، فزادوا فيها ألفا يصلح فيها الوقوف عليه، ويكون رجوعا عن الجحد فقط، وإقرارا بالفعل الَّذِي بعد الجحد، فقالوا: «بَلى»، فدلت «٢» على معنى الإقرار والأنعام، ودّل لفظ «بل» على الرجوع عن الجحد فقط.
وقوله: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ... (٨٣)
رفعت تَعْبُدُونَ لأن دخول «أن» يصلح فيها، فلما حذف الناصب رُفِعت، كما قال اللَّه: «أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ» «٣» (قرأ الآية) «٤» وكما قال:
«وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» «٥» وفي قراءة عَبْد اللَّه «وَلا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ» فهذا وجه من الرفع، فلما لم تأت بالناصب رفعت. وفي قراءة أُبيٍّ: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُوا» ومعناها الجزم بالنهي، وليست بجواب لليمين. ألا ترى أنه قد قال: «وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ» «٦» فأمروا، والأمر لا يكون جوابا لليمين لا يكون فِي الكلام أن تقول: والله قم، ولا أن تقول: والله لا تقم. ويدل على أنه نهى وجزمٌ أنه قال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً كما تقول: افعلوا ولا تفعلوا، أو لا تفعلوا وافعلوا. وإن شئت جعلت

(١) هذا على رأى من يقول: إن أصل «بلى». «بل» والألف فى آخرها زائدة للوقف، فلذا كانت للرجوع بعد النفي، كما كانت للرجوع عند الجحد فى: ما قام زيد بل عمرو، وقال قوم: إن «بلى» أصل الألف.
(٢) أي الألف.
(٣) آية ٦٤ سورة الزمر.
(٤) أي قرأ الفرّاء الآية كلها، وهذا من المستملي. وسقط هذا فى ش، ج.
(٥) آية ٦ سورة المدثر.
(٦) آية ٦٣ من سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon