وقد وقع ما قبلها عليها، فصرفوا الفعل إلى فعل لأن الحزم لا يستبين فِي فعل، فصيروا حدوث اللام- وإن كانت لا تُعِّرب شيئًا- كالذي يُعَرِّب، ثُمَّ صيروا جواب الجزاء بما تُلْقي به اليمين- يريد تستقبل به- إما بلامٍ، وإما ب «لا»، وإما «إن» وإمّا ب «ما» فتقول فِي «ما» : لئن أتيتني ما ذلك لك بضائع، وفي «إن» : لئن أتيتني إن ذلك لمشكور لك- قال الفراء: لا يكتب لئن إلا بالياء ليفرق بينها وبين لأن «١» - وفي «لا» :«لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ» «٢» وفى اللام «وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ» «٣» وإنما صيروا جواب الجزاء كجواب اليمين لأن اللام التي دخلت فِي قوله: «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ» وفي قوله:
«لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ» «٤» وفى قوله: «لَئِنْ أُخْرِجُوا» إنما هِيَ لام اليمين كان موضعها فِي آخر الكلام فلما صارت فِي أوله صارت كاليمين، فلقُيت بما يُلْقَى به اليمين، وإن أظهرت الفعل بعدها على يفعل جاز ذلك وجزمته فقلت: لئن تقم لا يقم إليك، وقال الشاعر «٥» :

لئن تَكُ قد ضاقْت عليكم بيوتُكم ليعلم ربّى أنّ بيتي واسع
(١) ما بين الخطين ساقط من ج، ش.
(٢، ٣) آية ١٢ سورة الحشر. [.....]
(٤) آية ٨١ من سورة آل عمران: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ» اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي فى ضمن أخذ الميثاق، وجواب القسم جملة «لتؤمنن به» و «ما» جعلها الفراء شرطية، والأولى أن تكون موصولا مبتدأ خبره محذوف. وقال العكبري: وفى الخبر وجهان أحدهما أنه «من كتاب وحكمة» أي الذي أوتيتموه من الكتاب، والنكرة هنا كالمعرفة. والثاني أن الخبر جملة القسم المحذوف وجوابه الذي هو جملة «لتؤمنن به». وراجع السمين والزمخشري فى الآية.
(٥) البيت للكميت بن معروف، وهو شاعر مخضرم، والشاهد فيه أن فعل الشرط المحذوف جوابه قد جاء مضارعا فى ضرورة الشعر، والقياس «لئن كانت». وفيه شاهد آخر وهو أن المضارع الواقع جوابا للقسم إن كان للحال لا للمستقبل وجب الاكتفاء فيه باللام، وامتنع توكيده بالنون كما هنا فإن المعنى: ليعلم الآن ربى.


الصفحة التالية
Icon