قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَالْكِسَائِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَعْمَشِ وَطَلْحَةَ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا جَوَابًا لِلدُّعَاءِ. وَثَالِثُهَا: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَعْفَرِ بْنِ محمد والحسن وقتادة: يَرِثُنِي جُزِمَ وَارِثٌ بِوَزْنِ فَاعِلٍ. وَرَابِعُهَا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِي وَارِثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ. وَخَامِسُهَا: عَنِ الْجَحْدَرِيِّ وَيَرِثُ تَصْغِيرُ وَارِثٍ عَلَى وَزْنِ أُفَيْعَلٍ (اللُّغَةُ) الْوَهْنُ ضَعْفُ الْقُوَّةِ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» شَبَّهَ الشَّيْبَ بِشُوَاظِ النَّارِ فِي بَيَاضِهِ وَإِنَارَتِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي الشَّعْرِ وَفُشُوِّهِ فِيهِ وَأَخْذِهِ كُلَّ مَأْخَذٍ كَاشْتِعَالِ النَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِعَارَةِ ثُمَّ أَسْنَدَ الِاشْتِعَالَ إِلَى مَكَانِ الشَّعْرِ وَمَنْبَتِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ وَأَخْرَجَ الشَّيْبَ مُمَيَّزًا وَلَمْ يُضِفِ الرَّأْسَ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ رَأْسُ زَكَرِيَّا فَمِنْ ثَمَّ فَصُحَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَطَلَبُ الْفِعْلِ وَمُقَابِلُهُ الْإِجَابَةِ كَمَا أَنَّ مُقَابِلَ الْأَمْرِ الطَّاعَةُ، وَأَمَّا أَصْلُ التَّرْكِيبِ فِي (وَلِيٍّ «١» ) فَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ يُقَالُ وَلَيْتُهُ أَلِيهِ وَلْيًا أَيْ دَنَوْتُ وَأَوْلَيْتُهُ أَدْنَيْتُهُ مِنْهُ وَتَبَاعَدَ مَا بَعْدَهُ وَوَلِيَ وَمِنْهُ قول ساعدة [ابن جؤبة] :
وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْغَبُ
وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ وَجَلَسْتُ مِمَّا يَلِيهِ وَمِنْهُ الْوَلْيُ وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يَلِي الْوَسْمِيَّ، وَالْوَلِيَّةُ الْبَرْذَعَةُ لِأَنَّهَا تَلِي ظَهْرَ الدَّابَّةِ وَوَلِيَ الْيَتِيمَ وَالْقَتِيلَ وَوَلِيَ الْبَلَدَ لِأَنَّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا فَقَدْ قَرُبَ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [مريم: ٤] مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَاهُ بِرُكْنِهِ أَيْ جَعَلَهُ مِمَّا يَلِيهِ، أَمَّا وَلَّى عَنِّي إِذَا أَدْبَرَ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَثْقِيلِ الْحَشْوِ لِلسَّلْبِ وَقَوْلُهُمْ فُلَانٌ أَوْلَى مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَحَقُّ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ الْوَالِي أَوِ الْوَلِيِّ كَالْأَدْنَى وَالْأَقْرَبِ مِنَ الدَّانِي وَالْقَرِيبِ وَفِيهِ مَعْنَى الْقُرْبِ أَيْضًا لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِالشَّيْءِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ وَالْمَوْلَى اسْمٌ لِمَوْضِعِ الْوَلِيِّ كَالْمَرْمَى وَالْمَبْنَى اسْمٌ لموضع والمرمى وَالْبِنَاءِ، وَأَمَّا الْعَاقِرُ فَهِيَ الَّتِي لَا تَلِدُ وَالْعَقْرُ فِي اللُّغَةِ الْجَرْحُ وَمِنْهُ أُخِذَ الْعَاقِرُ لِأَنَّهُ نَقْصُ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَعَقَرْتُ الْفَرَسَ بِالسَّيْفِ إِذَا ضَرَبْتَ قَوَائِمَهُ، وَأَمَّا الْآلُ فَهُمْ خَاصَّةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَؤُولُ أَمْرُهُمْ إِلَيْهِ ثُمَّ قَدْ يَؤُولُ أَمْرُهُمْ إِلَيْهِ لِلْقَرَابَةِ تَارَةً وَلِلصُّحْبَةِ أُخْرَى كَآلِ فِرْعَوْنَ وَلِلْمُوَافَقَةِ فِي الدِّينِ كَآلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْلَمْ أَنْ زَكَرِيَّاءَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّمَ عَلَى السُّؤَالِ أُمُورًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا: كَوْنُهُ ضَعِيفًا. وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا رَدَّ دُعَاءَهُ الْبَتَّةَ.
وَالثَّالِثُ: كَوْنُ الْمَطْلُوبِ بِالدُّعَاءِ سَبَبًا لِلْمَنْفَعَةِ فِي الدِّينِ ثُمَّ بَعْدَ تَقْرِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ صَرَّحَ بِالسُّؤَالِ. أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ كَوْنُهُ ضَعِيفًا فَأَثَرُ الضَّعْفِ، / إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي الْبَاطِنِ أَوْ فِي الظَّاهِرِ، وَالضَّعْفُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْبَاطِنِ يَكُونُ أَقْوَى مِمَّا يَظْهَرُ فِي الظَّاهِرِ فَلِهَذَا السَّبَبِ ابْتَدَأَ بِبَيَانِ الضَّعْفِ الَّذِي فِي الْبَاطِنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَتَقْرِيرُهُ هُوَ أَنَّ الْعِظَامَ أَصْلَبُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي فِي الْبَدَنِ وَجُعِلَتْ كَذَلِكَ لِمَنْفَعَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: لِأَنْ تَكُونَ أَسَاسًا وَعُمُدًا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ الْأُخَرِ إِذْ كَانَتِ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا مَوْضُوعَةً عَلَى الْعِظَامِ وَالْحَامِلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنَ الْمَحْمُولِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ احْتِيجَ إِلَيْهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِأَنْ تَكُونَ جُنَّةً يَقْوَى بِهَا مَا سِوَاهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ بِمَنْزِلَةِ قِحْفِ الرَّأْسِ وَعِظَامِ الصَّدْرِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ صُلْبًا لِيَكُونَ صَبُورًا عَلَى مُلَاقَاةِ الْآفَاتِ بَعِيدًا مِنَ الْقَبُولِ لَهَا إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِذَا كَانَ الْعَظْمُ أَصْلَبَ الْأَعْضَاءِ فَمَتَى وَصَلَ الْأَمْرُ إِلَى ضَعْفِهَا كَانَ ضَعْفُ مَا عَدَاهَا مَعَ رَخَاوَتِهَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْعَظْمَ إِذَا كَانَ حَامِلًا لِسَائِرِ الْأَعْضَاءِ كان تطرق الضعف إلى الحامل