مَلَكَ الْمَوْتِ/ مَكْتُوبٌ عَلَى جَبْهَتِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه لِكَيْ إِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ تَذَكَّرَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ التَّذَكُّرُ عَنِ الذِّكْرِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّه وَمَضَى عَلَيْهِ مِنَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهُ التَّلَفُّظُ بِالْكَلِمَةِ وَلَكِنَّهُ قَصَّرَ فِيهِ، قَالَ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ اللِّسَانُ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ فِي الْقَلْبِ كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنَ التَّلَفُّظِ جَارِيًا مَجْرَى امْتِنَاعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ،
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ»
وَقَلْبُ هَذَا الرَّجُلِ مَمْلُوءٌ مِنَ الْإِيمَانِ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ أُمُورٌ شَرْعِيَّةٌ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ كَافِرٌ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: مَنْ أَقَرَّ بِاللِّسَانِ وَاعْتَقَدَ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَهُوَ مُقَلِّدٌ وَالِاخْتِلَافُ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ مَشْهُورٌ. أَمَّا الْمَقَامُ الثَّالِثُ: وَهُوَ إِثْبَاتُ التَّوْحِيدِ بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ فَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٢] أَنَّهُ يُمْكِنُ إِثْبَاتُ هَذَا الْمَطْلُوبِ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ وَاسْتَقْصَيْنَا الْقَوْلَ فِيهَا هُنَاكَ. أَمَّا الْمَقَامُ الرَّابِعُ: وَهُوَ الْفَنَاءُ فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: الْعِرْفَانُ مُبْتَدِأٌ مِنْ تَفْرِيقٍ وَنَقْضٍ وَتَرْكٍ وَرَفْضٍ مُمْكِنٍ فِي جَمِيعِ صِفَاتٍ هِيَ مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ لِلَّذَّاتِ الْمُرِيدَةِ بِالصِّدْقِ مُنْتَبِهٌ إِلَى الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، ثُمَّ وُقُوفُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مُحِيطَةٌ بِأَقْصَى نِهَايَاتِ دَرَجَاتِ السَّائِرِينَ إِلَى اللَّه تَعَالَى.
الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي التَّهْلِيلِ، أَوَّلُهَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّه ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ».
وَثَانِيهَا:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَبْلَ أن خلق السموات وَالْأَرْضَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مَادًّا بِهَا صَوْتَهُ لَا يَقْطَعُهَا وَلَا يَتَنَفَّسُ فِيهَا وَلَا يُتِمُّهَا، فَإِذَا أَتَمَّهَا أَمَرَ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ وَقَامَتِ الْقِيَامَةُ تَعْظِيمًا للَّه عَزَّ وَجَلَّ»
.
وَثَالِثُهَا:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا زِلْتُ أَشْفَعُ إِلَى رَبِّي وَيُشَفِّعُنِي وَأَشْفَعُ إِلَيْهِ وَيُشَفِّعُنِي حَتَّى قُلْتُ: يَا رَبِّ شَفِّعْنِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه قَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ لَيْسَتْ لَكَ وَلَا لِأَحَدٍ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَدَعُ أَحَدًا فِي النَّارِ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه».
وَثَانِيهَا:
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ حم عسق قَالَ: الْحَاءُ حُكْمُهُ وَالْمِيمُ مُلْكُهُ وَالْعَيْنُ عَظَمَتُهُ وَالسِّينُ سَنَاؤُهُ وَالْقَافُ قُدْرَتُهُ، يَقُولُ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ: بِحُكْمِي وَمُلْكِي وَعَظَمَتِي وَسَنَائِي وَقُدْرَتِي لَا أُعَذِّبُ بِالنَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه.
وَخَامِسُهَا: أَنَّ
عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ فِي السُّوقِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ لَهُ اللَّه أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ».
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: فِي النُّكَتِ. أَحَدُهَا: يَنْبَغِي لِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه أَنْ يُحَصِّلُوا أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ حَتَّى يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه: التَّصْدِيقُ وَالتَّعْظِيمُ وَالْحَلَاوَةُ وَالْحُرِّيَّةُ، فَمَنْ لَيْسَ لَهُ التَّصْدِيقُ فَهُوَ/ مُنَافِقٌ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ التَّعْظِيمُ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ الْحَلَاوَةُ فَهُوَ مُرَاءٍ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ الْحُرِّيَّةُ فَهُوَ فَاجِرٌ. وَثَانِيهَا: قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٤] أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فَاطِرٍ: ١٠] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ [الْعَصْرِ: ٣] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ [سَبَأٍ: ٤٦] لَا إله إلا اللَّه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصَّافَّاتِ: ٢٤] عَنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ [الصَّافَّاتِ: ٣٧] هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ


الصفحة التالية
Icon