مِنْ شِمَالِهِ،
وَعَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الصِّبْيَانَ أَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، فَقِيلَ لَهُ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لغير وقتها فقال خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَنَاهَوْا عَنْهَا،
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عَشْرَ سِنِينَ كُتِبَتْ لَهُ الْحَسَنَاتُ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ حَتَّى يَحْتَلِمَ، ثم قال أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ وَلِيَعْتَادَهُ وَيَتَمَرَّنَ عَلَيْهِ فَيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَأَقَلَّ نُفُورًا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ يُجَنَّبُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَيُنْهَى عَنْ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ فِي الصِّغَرِ لَصَعُبَ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التَّحْرِيمِ: ٦] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ أَدِّبُوهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ.
المسألة الرَّابِعَةُ: قَالَ الْأَخْفَشُ: يُقَالُ فِي الْحِلْمِ حَلَمَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ اللَّامِ، يَحْلُمُ حِلْمًا بِضَمِّ اللَّامِ، وَمِنَ الْحُلُمِ حَلُمَ بِضَمِّ اللَّامِ، يَحْلِمُ حِلْمًا بِكَسْرِ اللَّامِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ: ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَعْنِي ثَلَاثَ أَوْقَاتٍ، لِأَنَّهُ تَعَالَى فَسَّرَهُنَّ بِالْأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا قِيلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ أَرَادَ مَرَّةً فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، لِأَنَّهُ يَكْفِيهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ بَيَّنَ الْأَوْقَاتَ فَقَالَ: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ، يَعْنِي الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَجَرِّدًا عَنِ الثِّيَابِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ثَلاثُ عَوْراتٍ قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: ثَلَاثَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَكَأَنَّهُ قَالَ فِي أَوْقَاتِ ثَلَاثِ عَوْرَاتٍ لَكُمْ، فَلَمَّا حَذَفَ الْمُضَافَ أَعْرَبَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ بِإِعْرَابِهِ وَقِرَاءَةُ الْبَاقِينَ بِالرَّفْعِ أَيْ: هِيَ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ فَارْتَفَعَ لِأَنَّهُ خَبَرُ مبتدأ محذوف، قال القفال فكأن الْمَعْنَى ثَلَاثَ انْكِشَافَاتٍ وَالْمُرَادُ وَقْتَ الِانْكِشَافِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: الْعَوْرَةُ الْخَلَلُ وَمِنْهُ اعْوَرَّ الْفَارِسُ وَاعَوَرَّ الْمَكَانُ وَالْأَعْوَرُ الْمُخْتَلُّ الْعَيْنِ، فَسَمَّى اللَّه تَعَالَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ عَوْرَةً، لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلُّ حِفْظُهُمْ وَتَسَتُّرُهُمْ فِيهَا.
المسألة الرَّابِعَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ اعْتِبَارُ الْعِلَلِ فِي الْأَحْكَامِ إِذَا أَمْكَنَ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ وَالثَّانِي: بِالتَّنْبِيهِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ مَا عَدَاهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ ذَاكَ إِلَّا لِعِلَّةِ التَّكَشُّفِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ وُقُوعُ التَّكَشُّفِ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَوْقَاتَ.
المسألة الْخَامِسَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها [النُّورِ: ٢٧] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ حَالٍ، وَصَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ الْآيَةُ الْأُولَى أُرِيدَ بِهَا الْمُكَلَّفُ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِمَنْ آمَنَ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ فِيمَنْ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ فَقِيلَ فِيهِ إِنَّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَا يَدْخُلُ إِلَّا بِإِذْنٍ، وَفِي بَعْضِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ. فَلَا وَجْهَ لِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى النَّسْخِ، لِأَنَّ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ الْأُولَى مِنَ الْمُخَاطَبِينَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ أَصْلًا، فَإِنْ قِيلَ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ قَدْ بَلَغَ


الصفحة التالية
Icon