الرَّفْعِ عَلَى الْوَصْفِ، وَالْمَعْنَى هُنَّ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ مَخْصُوصَةٌ بِالِاسْتِئْذَانِ، وَإِذَا نُصِبَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحَلٌّ، وَكَانَ كَلَامًا مُقَرَّرًا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ خَاصَّةً.
السُّؤَالُ السَّادِسُ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ؟ الْجَوَابُ: قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ إِنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ كَقَوْلِكَ فِي الْكَلَامِ إِنَّمَا هُمْ خَدَمُكُمْ وَطَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ، وَالطَّوَّافُونَ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ وَالتَّرَدُّدَ، وَأَصْلُهُ مِنَ الطَّوَافِ، وَالْمَعْنَى يَطُوفُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ إِذْنٍ.
السُّؤَالُ السَّابِعُ: بِمَ ارْتَفَعَ بَعْضُكُمْ؟ الْجَوَابُ: بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ عَلى بَعْضٍ عَلَى مَعْنَى طَائِفٌ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنَّمَا حُذِفَ لِأَنَّ طَوَّافُونَ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكاحاً فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: امْرَأَةٌ قَاعِدٌ إِذَا قَعَدَتْ عَنِ الْحَيْضِ وَالْجَمْعُ قَوَاعِدُ، وَإِذَا أَرَدْتَ الْقُعُودَ قُلْتَ قَاعِدَةٌ، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْقَوَاعِدُ هُنَّ اللَّوَاتِي قَعَدْنَ عَنِ الْحَيْضِ وَالْوَلَدِ مِنَ الْكِبَرِ وَلَا مَطْمَعَ لَهُنَّ فِي الْأَزْوَاجِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ قُعُودُهُنَّ عَنِ الْحَيْضِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ وَالرَّغْبَةُ فِيهِنَّ بَاقِيَةٌ، فَالْمُرَادُ قُعُودُهُنَّ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا بَلَغْنَ فِي السِّنِّ بِحَيْثُ لَا يَرْغَبُ فِيهِنَّ الرِّجَالُ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي النِّسَاءِ: لَا يَرْجُونَ كَقَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٧].
المسألة الثَّالِثَةُ: لَا شُبْهَةَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِي أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ أَجْمَعَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ كُلِّ عَوْرَةٍ، فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ بِالثِّيَابِ هاهنا الْجِلْبَابُ وَالْبُرُدُ وَالْقِنَاعُ الَّذِي فَوْقَ الْخِمَارِ، وَرُوِيَ/ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ قَرَأَ أَنْ يَضَعْنَ جَلَابِيبَهُنَّ وَعَنِ السُّدِّيِّ عَنْ شيوخه (أن يضعن خمرهن رؤوسهن) وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ (أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابِهِنَّ)، وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مُرْتَفِعَةٌ عَنْهُنَّ، وَقَدْ بَلَغْنَ هَذَا الْمَبْلَغَ فَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِنَّ خِلَافُ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُنَّ وَضْعُ الثِّيَابِ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَإِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْمَظِنَّةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ عِنْدَ الْمَظِنَّةِ يَلْزَمُهُنَّ أَنْ لَا يَضَعْنَ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الشَّابَّةِ.
المسألة الرَّابِعَةُ: حَقِيقَةُ التَّبَرُّجِ تَكَلُّفُ إِظْهَارِ مَا يَجِبُ إِخْفَاؤُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ سَفِينَةٌ بَارِجٌ لَا غطاء عليها، والبرج سِعَةُ الْعَيْنِ الَّتِي يُرَى بَيَاضُهَا مُحِيطًا بِسَوَادِهَا كُلِّهِ، لَا يَغِيبُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَنْ تَنْكَشِفَ الْمَرْأَةُ لِلرِّجَالِ بِإِبْدَاءِ زِينَتِهَا وإظهار محاسنها.
[سورة النور (٢٤) : آية ٦١]
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١)


الصفحة التالية
Icon