أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ [الْفُرْقَانِ: ١٥] وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ أنهم في غاية الخير، لأن مستقر خَيْرٌ مِنَ النَّارِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
الثَّالِثُ: التَّفَاضُلُ الَّذِي ذُكِرَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَوْضِعِ، وَالْمَوْضِعُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَوْضِعٌ لَا شَرَّ فِيهِ الرَّابِعُ: هَذَا التَّفَاضُلُ وَاقِعٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، أَيْ لَوْ كَانَ لَهُمْ مُسْتَقَرٌّ فِيهِ خَيْرٌ لَكَانَ مُسْتَقَرُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَيْرًا مِنْهُ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مُسْتَقَرَّهُمْ غَيْرُ مَقِيلِهِمْ فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُسْتَقَرَّ مَكَانُ الِاسْتِقْرَارِ، وَالْمَقِيلَ زَمَانُ الْقَيْلُولَةِ، فَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْمَكَانِ فِي أَحْسَنِ مَكَانٍ، وَمِنَ الزَّمَانِ فِي أَطْيَبِ زَمَانٍ الثَّانِي: أَنَّ مُسْتَقَرَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ غَيْرُ مَقِيلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَقِيلُونَ فِي الْفِرْدَوْسِ، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَى مُسْتَقَرِّهِمْ الثَّالِثُ: أَنَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْمُحَاسَبَةِ وَالذَّهَابِ إِلَى الْجَنَّةِ يَكُونُ الْوَقْتُ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ» وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ). / وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَخَذَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ قَضَى بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ إِلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ، فَيَقِيلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُخَفِّفُ الْحِسَابَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَكُونَ بِمِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَقِيلُونَ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: كَيْفَ يَصِحُّ الْقَيْلُولَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَعِنْدَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ لَا يَنَامُونَ، وَأَهْلَ النَّارِ أَبَدًا فِي عَذَابٍ يَعْرِفُونَهُ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ يَعْرِفُونَهُ؟ وَالْجَوَابُ: قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مَرْيَمَ: ٦٢] وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ بُكْرَةٌ وَعَشِيٌّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً [الْإِنْسَانِ: ١٣] ولأنه إذا لم يكون هُنَاكَ شَمْسٌ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نِصْفُ النَّهَارِ وَلَا وَقْتُ الْقَيْلُولَةِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ أَطْيَبُ الْمَوَاضِعِ وَأَحْسَنُهَا، كَمَا أَنَّ مَوْضِعَ الْقَيْلُولَةِ يَكُونُ أَطْيَبَ الْمَوَاضِعِ واللَّه أعلم.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اسْتَدْعَوْهُ مِنْ إِنْزَالِ الْمَلَائِكَةِ فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ لَهُ صِفَاتٌ:
الصِّفَةُ الْأُولَى: أَنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَشَقُّقَ السَّمَاءِ بِالْغَمَامِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الِانْفِطَارِ: ١] يَدُلُّ عَلَى التَّشَقُّقِ وَقَوْلُهُ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ [الْبَقَرَةِ: ٢١٠] يَدُلُّ عَلَى الْغَمَامِ فَقَوْلُهُ: تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ جَامِعٌ لِمَعْنَى الْآيَتَيْنِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً [النَّبَأِ: ١٩] وَقَوْلُهُ: فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ [الْحَاقَّةِ:
١٦].


الصفحة التالية
Icon