الثَّلَاثَةِ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى [الْأَعْلَى: ١٨، ١٩] يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِنْزَالِ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ لَيْسَ إِلَّا هذه المطالب الثلاثة، فكذلك هاهنا يعني مثل الكتاب المسمى بحم عسق يُوحِي اللَّهُ إِلَيْكَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمُمَاثَلَةِ الدَّعْوَةُ إِلَى هَذِهِ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَالْمَبَاحِثِ الْمُقَدَّسَةِ الْإِلَهِيَّةِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَلَمْ يَقُلْ أَوْحَى إِلَيْكَ، وَلَكِنْ قَالَ: يُوحِي إِلَيْكَ عَلَى لَفْظِ الْمُضَارِعِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ إِيحَاءَ مِثْلِهِ عَادَتُهُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ كَذلِكَ يُوحِي بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَعَنْ بَعْضِهِمْ نُوحِي بِالنُّونِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ بِكَسْرِ الْحَاءِ، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى مَا رَافِعُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قُلْنَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِوَحْيٍ، كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ من الوحي؟ فَقِيلَ اللَّهُ وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةُ السُّلَمِيِّ وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ [الْأَنْعَامِ: ١٣٧] عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَرَفْعِ شُرَكَاؤُهُمْ، فَإِنْ قِيلَ فَمَا رَافِعُهُ فِيمَنْ قَرَأَ نُوحِي بِالنُّونِ؟ قُلْنَا يُرْفَعُ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْعَزِيزُ وَمَا بَعْدَهُ أَخْبَارٌ، أَوِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صِفَتَانِ وَالظَّرْفُ خَبَرُهُ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ حَصَلَ بِالْوَحْيِ بَيَّنَ أَنَّ الْمُوحِيَ مَنْ هُوَ فَقَالَ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ سُورَةِ حم الْمُؤْمِنِ أَنَّ كَوْنَهُ عَزِيزًا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَوْنَهُ حَكِيمًا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ غَنِيًّا عَنْ جَمِيعِ الْحَاجَاتِ فَيَحْصُلُ لَنَا مِنْ كَوْنِهِ عَزِيزًا حَكِيمًا كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ غَنِيًّا عَنْ جَمِيعِ الْحَاجَاتِ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ حِكْمَةً وَصَوَابًا، وَكَانَتْ مُبَرَّأَةً عَنِ الْعَيْبِ وَالْعَبَثِ، قَالَ مُصَنِّفُ الْكِتَابِ قُلْتُ فِي قَصِيدَةً:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْآلَاءِ وَالنِّعَمِ | وَالْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالْإِحْسَانِ وَالْكَرَمِ |
مُنَزَّهِ الْفِعْلِ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ عَبَثِ | مُقَدَّسِ الْمُلْكِ عَنْ عَزْلٍ وَعَنْ عَدَمِ |