عَدٌّ لِلنِّعَمِ عَلَى الْعَبِيدِ. وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً [الْأَنْعَامِ: ٦]. وَخَامِسُهَا: قَوْلُهُ: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ [الْأَنْعَامِ: ٦٣] إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ. وَسَادِسُهَا: قَوْلُهُ: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [الْأَعْرَافِ: ١٠] وَقَالَ فِي قِصَّةِ إِبْلِيسَ: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ [الْأَعْرَافِ: ١٧]، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ نِعْمَةٌ لَمَا كَانَ لِهَذَا الْقَوْلِ فَائِدَةٌ. وَسَابِعُهَا: قَوْلُهُ: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ [الْأَعْرَافِ: ٧٤] الْآيَةَ، وَقَالَ حَاكِيًا عَنْ شُعَيْبٍ: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الْأَعْرَافِ: ٨٦] وَقَالَ حَاكِيًا عَنْ مُوسَى: قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [الْأَعْرَافِ: ١٤٠]. وَثَامِنُهَا: قَوْلُهُ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ [الْأَنْفَالِ: ٥٣] وَهَذَا صَرِيحٌ. وَتَاسِعُهَا: قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ [يُونُسَ: ٥]. وَعَاشِرُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ. الْحَادِي عَشَرَ: قَوْلُهُ: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها إِلَى
قَوْلِهِ: فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [يُونُسَ: ٢٢- ٢٣]. الثَّانِي عَشَرَ: قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً [الْفُرْقَانِ: ٤٧]. وَقَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً [يُونُسَ: ٦٧]. الثَّالِثَ عَشَرَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٨- ٢٩]. الرَّابِعَ عَشَرَ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٢]. الْخَامِسَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِثْبَاتِ النِّعْمَةِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَاجِعٌ إِلَى الْعِبَارَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَعْنِي الْحَيَاةَ وَالْعَقْلَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَأَنْوَاعَ الرِّزْقِ وَالْمَنَافِعِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْمَنَافِعِ إِذَا حَصَلَ عَقِيبَهَا تِلْكَ الْمَضَارُّ الْأَبَدِيَّةُ هَلْ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَيْهَا اسْمُ النِّعْمَةِ أَمْ لَا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ نِزَاعٌ فِي مُجَرَّدِ عِبَارَةٍ، وَأَمَّا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَلْتَذُّ بِهِ الْمُكَلَّفُ فَهُوَ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الصَّانِعِ وَعَلَى لُطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ فَأُمُورٌ. أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فيبين تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا بَعَثَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَلِأَجْلِ الدَّعْوَةِ إِلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَالْإِيمَانِ بِتَوْحِيدِهِ وَعَدْلِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النَّحْلِ: ٢- ٤] فَبَيَّنَ أَنَّ حُدُوثَ الْعَبْدِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ مَنْ أَعْظَمِ الدَّلَائِلِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَهُوَ انْقِلَابُهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، مِنْ كَوْنِهِ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ مِنْ أَخَسِّ أَحْوَالِهِ/ وَهُوَ كَوْنُهُ نُطْفَةً إِلَى أَشْرَفِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَصِيمًا مُبِينًا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وُجُوهَ إِنْعَامِهِ فَقَالَ: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ إِلَى قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [النَّحْلِ: ٥- ١٠] بَيَّنَ بِذَلِكَ الرَّدِّ عَلَى الدَّهْرِيَّةِ وَأَصْحَابِ الطَّبَائِعِ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْمَاءَ وَاحِدٌ وَالتُّرَابَ وَاحِدٌ وَمَعَ ذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الْأَلْوَانُ وَالطُّعُومُ وَالرَّوَائِحُ، ثُمَّ قَالَ: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ [النَّحْلِ: ١٢] بَيَّنَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الْمُنَجِّمِينَ وَأَصْحَابِ الْأَفْلَاكِ حَيْثُ اسْتُدِلَّ بِحَرَكَاتِهَا وَبِكَوْنِهَا مُسَخَّرَةً عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى حُدُوثِهَا فَأَثْبَتَ