قَوْلِهِ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ لَهُمْ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطَهَا فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ الَّتِي عَرَفْتُمُوهَا وَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَا هِيَ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنْ يُوَطِّنَ السَّامِعُ نَفْسَهُ عَلَى الِامْتِثَالِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَا هُوَ كَمَا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنْ يَحْسُنَ مِنَ السَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: إِنِّي آمُرُكَ غَدًا بِشَيْءٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَفْعَلَهُ وَيَكُونُ غَرَضُهُ مِنْهُ بِأَنْ يَعْزِمَ الْعَبْدُ فِي الْحَالِ عَلَى أَدَائِهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الصَّلَاةُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ قَالُوا: لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَدَثَ فِي الشَّرْعِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ الْمَوْضُوعُ قَدْ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الشَّرْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ قَالَ الْأَعْشَى:
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاعْتَصِمِي | عَيْنًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجِعَا |
وَقَابَلَهَا الريح في دنها | وصلى على دنها وارتسم |
لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّهُ | وَإِنِّي بَحْرَهَا الْيَوْمَ صَالِي |
وَقَالَ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الْأَعْلَى: ١٤] أَيْ تَطَهَّرَ وَقَالَ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً [النُّورِ: ٢١] وَقَالَ: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ [فَاطِرٍ: ١٨] أَيْ تَطَهَّرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَلَعَلَّ إِخْرَاجَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا سُمِّيَ بِالزَّكَاةِ تَشْبِيهًا بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ فِي إِخْرَاجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ تَنْمِيَةً لِلْبَقِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْبَرَكَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ بِسَبَبِ تَزْكِيَةِ/ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ الْإِعْطَاءُ نَمَاءً فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا فِي الصُّورَةِ، وَلِهَذَا
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ فِيهَا سِتَّ خِصَالٍ، ثَلَاثَةً فِي الدُّنْيَا وَثَلَاثَةً فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا الَّتِي فِي الدُّنْيَا فَتَزِيدُ فِي الرِّزْقِ وَتُكْثِرُ الْمَالَ وَتُعَمِّرُ الدِّيَارَ، وَأَمَّا الَّتِي فِي الْآخِرَةِ فَتَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَتَصِيرُ ظِلًّا فَوْقَ الرأس وتكون ستراً من النَّارِ».
وَيَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى الزَّكَاةُ بِالْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تُطَهِّرُ مُخْرِجَ الزَّكَاةِ عَنْ كُلِّ الذُّنُوبِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التَّوْبَةِ: ١٠٣].
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ خِطَابٌ مَعَ الْيَهُودِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ