يَفِرُّونَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْكَسْرَتَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمْ جوزوه هاهنا لِكَوْنِ الْحَرْفِ الْحَلْقِيِّ مُسْتَتْبَعًا لِمَا يُجَاوِرُهُ. الثَّالِثُ: إِسْكَانُ الْحَرْفِ الْحَلْقِيِّ الْمَكْسُورِ وَتَرْكُ مَا قَبْلَهُ عَلَى مَا كَانَ فَيُقَالُ: نَعْمَ وَبَئْسَ بِفَتْحِ الْأَوَّلِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي كَمَا يُقَالُ: فَخْذٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ. الرَّابِعُ: أَنْ يُسَكَّنَ الْحَرْفُ الْحَلْقِيُّ وَتُنْقَلَ كَسْرَتُهُ إِلَى مَا قَبْلَهُ فَيُقَالُ: نِعْمَ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ كَمَا يُقَالُ: فِخْذٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ الْأَخِيرَ وَإِنْ كَانَ فِي حَدِّ الْجَوَازِ عِنْدَ إِطْلَاقِ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ لَازِمًا لَهُمَا لِخُرُوجِهِمَا عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ الْأَفْعَالُ الْمَاضِيَةُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ وُجُودِ الْمَصْدَرِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَصَيْرُورَتِهِمَا كَلِمَتَيْ مَدْحٍ وَذَمٍّ وَيُرَادُ بِهِمَا الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، لِيَدُلَّ هَذَا التَّغْيِيرُ اللَّازِمُ فِي اللَّفْظِ عَلَى التَّغْيِيرِ عَنِ الْأَصْلِ فِي الْمَعْنَى فَيَقُولُونَ: نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ وَلَا يَذْكُرُونَهُ عَلَى الْأَصْلِ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَمَا أَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ:
فَفِدَاءٌ لِبَنِي قَيْسٍ عَلَى | مَا أَصَابَ النَّاسَ مِنْ شَرٍّ وَضُرِّ |
مَا أَقَلَّتْ قَدَمَايَ إِنَّهُمْ | نَعِمَ السَّاعُونَ فِي الْأَمْرِ الْمُبِرِّ |
أَلَسْنَا بِنِعْمَ الْجَارِ يُؤْلَفُ بَيْتُهُ | مِنَ النَّاسِ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَمُعْدَمَا |
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ «نِعْمَ وَبِئْسَ» أَصْلَانِ لِلصَّلَاحِ وَالرَّدَاءَةِ وَيَكُونُ فَاعِلُهُمَا اسْمًا يَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ إِمَّا مُظْهَرًا وَإِمَّا مُضْمَرًا، وَالْمُظْهَرُ عَلَى وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: نَحْوَ قَوْلِكَ، نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ لَا تُرِيدُ رَجُلًا دُونَ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا تَقْصِدُ الرَّجُلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَالثَّانِي: نَحْوَ قَوْلِكَ نِعْمَ غُلَامُ الرَّجُلِ زَيْدٌ، أَمَّا قَوْلُهُ:
فَنِعْمَ صَاحِبُ قَوْمٍ لَا سِلَاحَ لَهُمْ | وَصَاحِبُ الرَّكْبِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَا |
عِشْرُونَ رَجُلًا وَالْمُمَيَّزُ لَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ عِشْرُونَ الدِّرْهَمَ وَلَوْ أَدْخَلُوا الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى هَذَا فَقَالُوا: نِعْمَ الرَّجُلَ بِالنَّصْبِ لَكَانَ نَقْضًا لِلْغَرَضِ، إِذْ لَوْ كَانُوا يُرِيدُونَ الْإِتْيَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَرَفَعُوا وَقَالُوا نِعْمَ الرَّجُلُ وَكَفَوْا أَنْفُسَهُمْ مُؤْنَةَ الْإِضْمَارِ وَإِنَّمَا أَضْمَرُوا الْفَاعِلَ قَصْدًا لِلِاخْتِصَارِ، إِذْ كَانَ «نِعْمَ رَجُلًا» يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ الَّذِي فُضِّلَ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا قُلْتَ نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا كَأَنَّهُ قِيلَ:
زَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ، أَخَّرْتَ زَيْدًا وَالنِّيَّةُ بِهِ التَّقْدِيمُ، كَمَا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِ الْمِسْكِيُنُ تُرِيدُ الْمِسْكِينُ مَرَرْتُ بِهِ، فَأَمَّا الرَّاجِعُ إِلَى الْمُبْتَدَأِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمَّا كَانَ شَائِعًا يَنْتَظِمُ فِيهِ الْجِنْسُ كَانَ زَيْدٌ دَاخِلًا تَحْتَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الذِّكْرِ الَّذِي يَعُودُ إِلَيْهِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ فِي قَوْلِكَ: نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ: نِعْمَ الرَّجُلُ،