وَالِاسْتِمْتَاعُ، ثُمَّ لَا بُدَّ فِي تَمَامِ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُسْتَعِدَّةً لَهُ لِأَوْقَاتِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَنَّهُ يَكْفِيهَا فِي نَفَقَتِهَا، كَطَعَامِهَا وَشَرَابِهَا وَأُدْمِهَا وَلِبَاسِهَا وَسُكْنَاهَا، وَهَذِهِ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي إِحْصَاءِ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ، ثُمَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ صِيَانَةِ الْمَاءِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ زَالَ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ الِانْتِفَاعُ وَزَوَالُهُ بِزَوَالِ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، وَاحْتِيجَ إِلَى صِيَانَةِ الْمَاءِ فَصَارَتِ السُّكْنَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِوُجُوبِهَا الْإِحْصَاءَ لِأَسْبَابِهَا، لِأَنَّ أَصْلَهَا السُّكْنَى، لِأَنَّ بِهَا تَحْصِينَهَا، فَصَارَتِ السُّكْنَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِالزَّوْجِ، وَصِيَانَةُ الْمَاءِ مِنْ حُقُوقِ اللَّه، وَمِمَّا لَا يَجُوزُ التَّرَاضِي مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى إِسْقَاطِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا الْخُرُوجُ، وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ، وَلَا إِخْرَاجُهَا، وَإِنْ رَضِيَتْ إِلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ مِثْلَ انْهِدَامِ الْمَنْزِلِ، وَإِخْرَاجِ غَاصِبٍ إِيَّاهَا أَوْ نُقْلَةٍ مِنْ دَارٍ بِكِرَاءٍ قَدِ انْقَضَتْ إِجَارَتُهَا أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ حَرِيقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ، فَإِذَا انْقَضَى مَا أُخْرِجَتْ لَهُ رَجَعَتْ إِلَى مَوْضِعِهَا حَيْثُ كَانَ الثَّانِي: قَالَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَلَمْ يَقُلْ: وَاتَّقُوا اللَّه مَقْصُورًا عَلَيْهِ فَنَقُولُ: فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ الرَّبِّ يُنَبِّهُهُمْ عَلَى أَنَّ التَّرْبِيَةَ الَّتِي هِيَ الْإِنْعَامُ وَالْإِكْرَامُ بِوُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ غَايَةُ التَّعْدَادِ فَيُبَالِغُونَ فِي التَّقْوَى حِينَئِذٍ خَوْفًا مِنْ فَوْتِ تِلْكَ التربية الثالث: مَا مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ إِخْرَاجِهِمْ وَخُرُوجِهِنَّ؟ نَقُولُ: مَعْنَى الْإِخْرَاجِ أَنْ لَا يُخْرِجَهُنَّ/ الْبُعُولَةُ غَضَبًا عَلَيْهِنَّ وَكَرَاهَةً لِمُسَاكَنَتِهِنَّ أَوْ لِحَاجَةٍ لَهُمْ إِلَى المساكن وأن لا تأذنوا لَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ إِذَا طَلَبْنَ ذَلِكَ، إِيذَانًا بِأَنَّ إِذْنَهُمْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي رَفْعِ الْحَظْرِ، وَلَا يَخْرُجْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ إِنْ أَرَدْنَ ذَلِكَ. الرابع: قرئ: بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ومبينة فَمَنْ قَرَأَ مُبَيِّنَةٍ بِالْخَفْضِ فَمَعْنَاهُ: أَنَّ نَفْسَ الْفَاحِشَةِ إِذَا تَفَكَّرَ فِيهَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا فَاحِشَةٌ، وَمَنْ قَرَأَ مُبَيَّنَةٍ بِالْفَتْحِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مُبَرْهَنَةٌ بالبراهين، ومبينة بالحج، وَقَوْلُهُ: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَالْحُدُودُ هِيَ الْمَوَانِعُ عَنِ الْمُجَاوَزَةِ نَحْوَ النَّوَاهِي، وَالْحَدُّ فِي الْحَقِيقَةِ هي النِّهَايَةُ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا الشَّيْءُ، قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعُودُ مَا ذُكِرَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ وَهَذَا تَشْدِيدٌ فِيمَنْ يَتَعَدَّى طَلَاقَ السُّنَّةِ، وَمَنْ يُطَلِّقُ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أَيْ ضَرَّ نَفْسَهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَمَنْ يَتَجَاوَزِ الْحَدَّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى فَقَدْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعًا لَمْ يَضَعْهُ فِيهِ رَبُّهُ، وَالظُّلْمُ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ النَّدَمَ عَلَى طَلَاقِهَا وَالْمَحَبَّةَ لَرَجْعَتِهَا فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي التَّطْلِيقِ أَنْ يُوقَعَ مُتَفَرِّقًا، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَا مَعْنَى فِي قَوْلِهِ: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً. ثم قال تعالى:
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٢ الى ٣]
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أَيْ قَارَبْنَ انْقِضَاءَ أَجَلِ الْعِدَّةِ لَا انْقِضَاءَ أَجَلِهِنَّ، وَالْمُرَادُ مِنْ بُلُوغِ الْأَجَلِ هُنَا مُقَارَبَةُ الْبُلُوغِ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : هُوَ آخِرُ العدة وشارفته «١»، فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة

(١) في مطبوع التفسير الكبير للرازي (ومشارفته) والمثبت من الكشاف للزمخشري (٤/ ١١٩. ط. دار الفكر).


الصفحة التالية
Icon