الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِيهَا عُمَرَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ أَيْ أَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةَ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَطْلَعَ نَبِيَّهُ عَلَى قَوْلِ حَفْصَةَ لِعَائِشَةَ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ عِنْدَ ذَلِكَ بِبَعْضِ مَا قَالَتْ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: عَرَّفَ بَعْضَهُ حَفْصَةَ: وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ لَمْ يُخْبِرْهَا أَنَّكِ أَخْبَرْتِ عَائِشَةَ عَلَى وَجْهِ التَّكَرُّمِ وَالْإِغْضَاءِ، وَالَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ ذِكْرُ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقُرِئَ (عَرَفَ) مُخَفَّفًا أَيْ جَازَى عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِكَ لِلْمُسِيءِ لَأَعْرِفَنَّ لَكَ ذَلِكَ وَقَدْ عَرَفْتُ مَا صَنَعْتَ قَالَ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [النِّسَاءِ: ٦٣] أَيْ يُجَازِيهِمْ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ حَفْصَةُ: مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ وصفه بكونه خبيرا بعد ما وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ عَلِيمًا لِمَا أَنَّ فِي الْخَبِيرِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي الْعَلِيمِ، وَفِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: كَيْفَ يُنَاسِبُ قَوْلُهُ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ إِلَى قَوْلَهُ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التَّحْرِيمِ: ١] ؟ نَقُولُ: يُنَاسِبُهُ لِمَا كَانَ تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ يَمِينًا حَتَّى إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ يَمِينٌ وَيَصِيرُ مُولِيًا بِذِكْرِهِ مِنْ بَعْدُ وَيُكَفِّرُ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ أَنَّهُ كَانَتْ مِنْهُ يَمِينٌ/ فَهَلْ كَفَّرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِذَلِكَ؟ نَقُولُ: عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمْ يُكَفِّرْ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْفُورًا لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً في تحريم مارية. ثم قال تعالى:
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ٤ الى ٥]
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥)
قَوْلُهُ: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ خِطَابٌ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي مُعَاتَبَتِهِمَا وَالتَّوْبَةِ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيذَاءِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما أَيْ عَدَلَتْ وَمَالَتْ عَنِ الْحَقِّ، وَهُوَ حَقُّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَذَلِكَ حَقٌّ عَظِيمٌ يُوجَدُ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الْعِتَابِ بِأَدْنَى تَقْصِيرٍ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ: كَانَ خَيْرًا لَكُمَا، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلُوبُكُما التَّثْنِيَةُ، قَالَ الْفَرَّاءُ:
وَإِنَّمَا اخْتِيرَ الْجَمْعُ عَلَى التَّثْنِيَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْجَوَارِحُ اثْنَانِ اثْنَانِ فِي الْإِنْسَانِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ، فَلَمَّا جَرَى أكثره على ذلك ذهب الواحد مِنْهُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اثْنَيْنِ مَذْهَبُ الِاثْنَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ هَذَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ أَيْ وَإِنْ تَعَاوَنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيذَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ أَيْ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ التَّظَاهُرُ مِنْكُمَا ومَوْلاهُ أَيْ وَلِيُّهُ وَنَاصِرُهُ وَجِبْرِيلُ رَأْسُ الْكَرُوبِيِّينَ، قَرَنَ ذِكْرَهُ بِذِكْرِهِ مُفْرِدًا لَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَعْظِيمًا له وإظهار لمكانته (عنده) «١» وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مُوَالِيَيْنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ عَادَاهُ، وَنَاصِرَيْنِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُقَاتِلِينَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ مَنْ صَلَحَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ كُلُّ مَنْ آمن وعمل صالحا، وقيل: من برىء مِنْهُمْ مِنَ النِّفَاقِ، وَقِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ، وَقِيلَ: الخلفاء وقيل: