أَهْلُهُ، وَسُمِّيَ نَادِيًا لِأَنَّ الْقَوْمَ يَنِدُّونَ إِلَيْهِ نَدًّا وَنَدْوَةً، وَمِنْهُ دَارُ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ، وَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهَا لِلتَّشَاوُرِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ نَادِيًا لِأَنَّهُ مَجْلِسُ النَّدَى وَالْجُودِ، ذُكِرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ أَيْ: اجْمَعْ أَهْلَ الْكَرَمِ وَالدِّفَاعِ فِي زَعْمِكَ لِيَنْصُرُوكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ والمبرد: واحد الزبانية زبنية وأصله من زبنية إِذَا دَفَعْتُهُ وَهُوَ مُتَمَرِّدٌ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جِنٍّ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرِ عِفْرِيَةٌ يُقَالُ: فُلَانٌ زِبْنِيَةٌ عِفْرِيَةٌ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: قَالَ بَعْضُهُمْ وَاحِدُهُ الزَّبَانِيُّ، وَقَالَ آخَرُونَ: الزَّابِنُ، وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي لَا وَاحِدَ لَهُ من لفظه في لغة الغرب مِثْلُ أَبَابِيلَ وَعَبَادِيدَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُرَادُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ مَخْصُوصُونَ بِقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ أَرْجُلُهُمْ فِي الْأَرْضِ ورؤسهم فِي السَّمَاءِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الزَّبَانِيَةُ هُمُ الشُّرَطُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْغِلَاظُ الشِّدَادُ، وَمَلَائِكَةُ النَّارِ سُمُّوا الزَّبَانِيَةَ لِأَنَّهُمْ يَزْبِنُونَ الْكُفَّارَ أَيْ يَدْفَعُونَهُمْ فِي جَهَنَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَيْ فَلْيَفْعَلْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَدْعُو أَنْصَارَهُ وَيَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي مُبَاطَلَةِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَنَحْنُ نَدْعُو الزَّبَانِيَةَ الَّذِينَ لَا طَاقَةَ لِنَادِيهِ وَقَوْمِهِ بِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ مِنْ سَاعَتِهِ مُعَايَنَةً، وَقِيلَ: هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ يُجَرُّ فِي الدُّنْيَا كَالْكَلْبِ وَقَدْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقِيلَ: بَلْ هَذَا إِخْبَارٌ بِأَنَّ الزَّبَانِيَةَ يَجُرُّونَهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَى النَّارِ الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا أَيْ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ وَسَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ فِي الْآخِرَةِ، فَلْيَدْعُ هُوَ نَادِيَهُ حِينَئِذٍ فَلْيَمْنَعُوهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ تَدُلُّ عَلَى الْمُعْجِزِ، لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ تَحْرِيضًا لِلْكَافِرِ عَلَى دَعْوَةِ نَادِيهِ وَقَوْمِهِ، وَمَتَى فَعَلَ الْكَافِرُ ذَلِكَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ دَعْوَةُ الزَّبَانِيَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَجْتَرِئِ الْكَافِرُ عَلَى ذَلِكَ دَلَّ عَلَى ظُهُورِ مُعْجِزَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قُرِئَ: سَتُدْعَى على المجهول، وهذه السين ليست للشك «١» فإن عَسَى/ مِنَ اللَّهِ وَاجِبُ الْوُقُوعِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ بِشَارَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَنْتَقِمَ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ السِّينِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَأَنْصُرَنَّكَ ولو بعد حين».
[سورة العلق (٩٦) : آية ١٩]
كَلاَّ لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
ثُمَّ قَالَ: كَلَّا وَهُوَ رَدْعٌ لِأَبِي جَهْلٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَنْ يَصِلَ إِلَى مَا يَتَصَلَّفُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَدْعُو نَادِيَهُ وَلَئِنْ دَعَاهُمْ لَنْ يَنْفَعُوهُ وَلَنْ يَنْصُرُوهُ، وَهُوَ أَذَلُّ وَأَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُقَاوِمَكَ، وَيُحْتَمَلُ: لَنْ يَنَالَ مَا يَتَمَنَّى مِنْ طَاعَتِكَ لَهُ حِينَ نَهَاكَ عَنِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَلَا لَا تُطِعْهُ.
ثُمَّ قَالَ: لَا تُطِعْهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ [الْقَلَمِ: ٨]، وَاسْجُدْ وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَرَادَ بِهِ صَلِّ وَتَوَفَّرْ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلًا وَإِبْلَاغًا، وَلْيَقِلَّ فِكْرُكَ فِي هَذَا الْعَدُوِّ فَإِنَّ اللَّهَ مُقَوِّيكَ وَنَاصِرُكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ الْمُرَادُ الْخُضُوعُ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمُرَادُ نَفْسُ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَاقْتَرِبْ وَالْمُرَادُ وَابْتَغِ بِسُجُودِكَ قُرْبَ الْمَنْزِلَةِ مِنْ رَبِّكَ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «أقرب ما يكون العبد