وَطَرِيقُ ثَوَابِهِ وَالْتِمَاسُ مَرْضَاتِهِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ وَاسِعًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِلَّا لَكَانَ مُتَجَزِّئًا مُتَبَعِّضًا فَيَفْتَقِرُ إِلَى الْخَالِقِ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى السَّعَةِ فِي الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ وَاسِعُ الْعَطَاءِ وَالرَّحْمَةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ وَاسِعُ الْإِنْعَامِ بِبَيَانِ الْمَصْلَحَةِ لِلْعَبِيدِ لِكَيْ يَصِلُوا إِلَى رِضْوَانِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ بِالْكَلَامِ أَلْيَقُ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى السَّعَةِ فِي الْعِلْمِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذِكْرُ الْعَلِيمِ بَعْدَهُ تَكْرَارًا، فَأَمَّا قَوْلُهُ: عَلِيمٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَكَالتَّهْدِيدِ لِيَكُونَ الْمُصَلِّي عَلَى حَذَرٍ مِنَ التَّفْرِيطِ مِنْ حَيْثُ يَتَصَوَّرُ أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا يُخْفِي وَمَا يُعْلِنُ، وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، فَيَكُونُ مُتَحَذِّرًا عَنِ التَّسَاهُلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: واسِعٌ عَلِيمٌ أَنَّهُ تَعَالَى وَاسِعُ الْقُدْرَةِ فِي تَوْفِيَةِ ثَوَابِ مَنْ يَقُومُ بِالصَّلَاةِ عَلَى شَرْطِهَا، وَتَوْفِيَةِ عِقَابِ مَنْ يَتَكَاسَلُ عَنْهَا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: وَلَّى إِذَا أَقْبَلَ، وَوَلَّى إِذَا أَدْبَرَ، وَهُوَ من الأضداد ومعناه هاهنا الْإِقْبَالُ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ:
فَأَيْنَما تُوَلُّوا بِفَتْحِ التَّاءِ من التولي، يريد فأينما توجهوا القبلة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١٦ الى ١١٧]
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الْعَاشِرُ مِنْ مَقَابِحِ أَفْعَالِ الْيَهُودِ والنصارى والمشركين، [في قَوْلُهُ تَعَالَى وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون] وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ [البقرة: ١١٤] وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى النَّصَارَى، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَنَحْنُ قَدْ تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى الْيَهُودِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا الْوَلَدَ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَالنَّصَارَى قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ فَلَا جَرَمَ صَحَّتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، ووهب بن يهودا فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا عُزَيْرًا ابْنَ اللَّهِ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: سُبْحانَهُ فَهُوَ كَلِمَةُ تَنْزِيهٍ يُنَزِّهُ بِهَا نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ [النِّسَاءِ: ١٧١] فَمَرَّةً أَظْهَرَهُ، وَمَرَّةً اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ عَلَى هَذَا التَّنْزِيهِ بِقَوْلِهِ: بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى الْمَوْجُودِ الْوَاجِبِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ لِذَاتِهِ مُحْدَثٌ، وَكُلُّ مُحْدَثٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لِوَاجِبِ الْوُجُودِ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ وَلَدًا، أَمَّا بَيَانُ أَنَّ مَا سِوَى الْمَوْجُودِ الْوَاجِبِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، فَلِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ مَوْجُودَانِ وَاجِبَانِ لِذَاتِهِمَا لَاشْتَرَكَا فِي وُجُوبِ الْوُجُودِ، وَلَامْتَازَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا بِهِ التَّعَيُّنِ، وَمَا بِهِ الْمُشَارَكَةُ، غَيْرُ مَا بِهِ الْمُمَايَزَةُ، وَيَلْزَمُ تَرَكُّبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ قَيْدَيْنِ، وَكُلُّ مُرَكَّبٍ فَإِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَكُلُّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَكُلُّ مُفْتَقِرٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْجُودَيْنِ الواجبين لذاتهما ممكن لذاته، وهذا خُلْفٌ، ثُمَّ نَقُولُ: إِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ من ذينك الجزءين واجباً عاد التقسيم المذكور فيه، ويقضى إِلَى كَوْنِهِ مُرَكَّبًا مِنْ أَجْزَاءٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَمَعَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَالٍ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ، لِأَنَّ كُلَّ كَثْرَةٍ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْوَاحِدِ، فَتِلْكَ الْآحَادُ إِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِذَوَاتِهَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً عَلَى مَا ثَبَتَ، فَالْبَسِيطُ مُرَكَّبٌ هَذَا خُلْفٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً كَانَ الْمُرَكَّبُ الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهَا أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ، فَثَبَتَ بِهَذَا الْبُرْهَانِ أَنَّ كُلَّ مَا عَدَا الْمَوْجُودَ الْوَاجِبَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ لِذَاتِهِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَتَأْثِيرُ ذَلِكَ