أَوْ نَصارى
وتِلْكَ أَمانِيُّهُمْ اعْتِرَاضٌ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ»
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا تَتَّكِلْ عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ التَّوَلِّي».
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَاتِ: صَوْتٌ بِمَنْزِلَةِ هَاءِ فِي مَعْنَى أَحْضِرْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ سَوَاءٌ ادَّعَى نَفْيًا، أَوْ إِثْبَاتًا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ، وَذَلِكَ مِنْ أَصْدَقِ الدَّلَائِلِ عَلَى بُطْلَانِ الْقَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَنِ ادَّعَى شَيْئًا بِلَا شَاهِدٍ | لَا بُدَّ أَنْ تَبْطُلَ دَعْوَاهُ |
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ | لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا |
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ | لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالًا |
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ مُحْسِنٌ أَيْ: لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ تَوَاضُعُهُ لِلَّهِ بِفِعْلٍ حَسَنٍ لَا بِفِعْلٍ قَبِيحٍ، فَإِنَّ الْهِنْدَ يَتَوَاضَعُونَ لِلَّهِ لَكِنْ بِأَفْعَالٍ قَبِيحَةٍ، وَمَوْضِعُ قَوْلِهِ: وَهُوَ مُحْسِنٌ مَوْضِعُ حَالٍ كَقَوْلِكَ: جَاءَ فُلَانٌ وَهُوَ رَاكِبٌ، أَيْ جَاءَ فُلَانٌ رَاكِبًا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، يَعْنِي بِهِ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ، ثُمَّ مَعَ هَذَا النَّعِيمِ لَا يَلْحَقُهُ خَوْفٌ وَلَا حُزْنٌ، فَأَمَّا الْخَوْفُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا الْحُزْنُ فَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْوَاقِعِ وَالْمَاضِي كَمَا قَدْ يَكُونُ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ فَنَبَّهَ تَعَالَى بِالْأَمْرَيْنِ عَلَى نِهَايَةِ السَّعَادَةِ لِأَنَّ النَّعِيمَ الْعَظِيمَ إِذَا دَامَ وَكَثُرَ وَخَلُصَ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ فَلَا يَحْزَنُ عَلَى أَمْرٍ فَاتَهُ وَلَا عَلَى أَمْرٍ يَنَالُهُ وَلَا يَخَافُ انْقِطَاعَ مَا هُوَ فِيهِ وَتَغَيُّرَهُ فَقَدْ بَلَغَ النِّهَايَةَ وَفِي ذَلِكَ تَرْغِيبٌ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَتَحْذِيرٌ مِنْ خِلَافِهَا الَّذِي هُوَ طَرِيقَةُ الْكُفَّارِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ قَبْلُ، وَاعْلَمْ أنه تعالى