أمكن، وكذا في المسلك، وَأَيُّ دَمٍ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ ذَلِكَ الْمَوْرُودَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي
قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ الطِّحَالُ وَالْكَبِدُ»
هَلْ يُطْلَقُ اسْمُ الدَّمِ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً صَحِيحًا أَمْ لَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَبِدَ يَجْرِي مَجْرَى اللَّحْمِ وَكَذَا الطِّحَالُ وَإِنَّمَا يُوصَفَانِ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ كَالدَّمِ الْجَامِدِ وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْخِنْزِيرِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْخِنْزِيرَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحَرَّمٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمَهُ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِانْتِفَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وهو كَقَوْلِهِ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الْجُمُعَةِ:
٩] فَخُصَّ الْبَيْعُ بِالنَّهْيِ لَمَّا كَانَ هُوَ أَعْظَمَ الْمُهِمَّاتِ عِنْدَهُمْ، أَمَّا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي الظَّاهِرِ وَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَتَنْجِيسِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرَزِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أكره الخزر بِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ الْإِبَاحَةُ، حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّا نَرَى الْمُسْلِمِينَ يُقِرُّونَ الْأَسَاكِفَةَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ/ غَيْرِ نَكِيرٍ ظَهَرَ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَيْهِ، وَإِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ، إِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ فَهَلَّا جَازَ مِثْلُهُ فِي شَعْرِ الْخِنْزِيرِ إِذَا خُرِزَ بِهِ؟
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي خِنْزِيرِ الْمَاءِ، قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا يُؤْكَلُ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ [الْمَائِدَةِ: ٩٦] وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا خِنْزِيرٌ فَيَحْرُمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [الْمَائِدَةِ: ٣] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْخِنْزِيرُ إِذَا أُطْلِقَ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ خِنْزِيرُ الْبَرِّ لَا خِنْزِيرُ الْبَحْرِ، كَمَا أَنَّ اللَّحْمَ إِذَا أُطْلِقَ يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ لَحْمُ غَيْرِ السَّمَكِ لَا لَحْمُ السَّمَكِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ خِنْزِيرَ الْمَاءِ لَا يُسَمَّى خِنْزِيرًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ يُسَمَّى خِنْزِيرَ الْمَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَانِ: فِي أَنَّهُ هَلْ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وَلْغِ الْخِنْزِيرِ سَبْعًا؟ أَحَدُهَا:
نَعَمْ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْكَلْبِ وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ ذَلِكَ التَّشْدِيدَ إِنَّمَا كَانَ فَطْمًا لَهُمْ عَنْ مُخَالَطَةِ الْكِلَابِ وَهُمْ مَا كَانُوا يُخَالِطُونَ الْخِنْزِيرَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ.
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي تَحْرِيمِ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
مِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ ذَبَائِحُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ لِأَوْثَانِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [الْمَائِدَةِ: ٣] وَأَجَازُوا ذَبِيحَةَ النَّصْرَانِيِّ إِذَا سَمَّى عَلَيْهَا بِاسْمِ الْمَسِيحِ، وَهُوَ مذهب عطاء


الصفحة التالية
Icon