مذهبه الفقهي:
الذي تبيّن لنا بعد مطالعة كتبه أنّه لم يكن من المقلّدين لأحد في الفروع الفقهية، وإنما كان مجتهدا في ذلك. وبعضهم جعله شافعيا، ولم يصب، بل للمؤلف ردّ على بعض أقوال الشافعية.
ففي مادة (طهر) - مثلا- يقول في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً:
قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه: الطّهور بمعنى المطهّر، وذلك لا يصح من حيث اللفظ، لأنّ فعولا لا يبنى من: أفعل وفعّل، وإنما يبنى من فعل.
وانظر كلامنا على ذلك في موضعه.
ونراه يعرض أقوال الفقهاء في خلال كتبه، فتارة يأخذ بقول ذا، وتارة بقول ذاك مما يدلّ على عدم التزامه بمذهب معين.
ففي مادة: عود، عند قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يقول: فعند أهل الظاهر: هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا، فحينئذ يلزمه الكفارة، وقوله: ثُمَّ يَعُودُونَ كقوله: فَإِنْ فاؤُ.
وعند أبي حنيفة: العود في الظهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها.
وعند الشافعي: هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدّة يمكنه أن يطلّق فيها فلم يفعل.
وفي مادة (طهر)، عند قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ يقول:
فدلّ باللفظين على أنّه لا يجوز وطؤهنّ إلا بعد الطهارة والتطهير، ويؤكد ذلك قراءة من قرأ:
يَطْهُرْنَ أي: يفعلن الطهارة التي هي الغسل.
وهذا مذهب الشافعي، إذ لا يجوز عنده الوطء إلا بعد الاغتسال.
وفي مادة (فكه)، يقول: الفاكهة قيل: هي الثمار كلها، وقيل: بل هي الثمار ما عدا العنب والرّمان.
وقائل هذا كأنّه نظر إلى اختصاصهما بالذكر، وعطفهما على الفاكهة.
قلت: وهذا قول أبي حنيفة، فإنه لم يجعل العنب والرمان من الفاكهة، لأنّ قوله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فيه العطف، وأصل العطف أن يكون للمغايرة.
وكذلك في كتابه «محاضرات الأدباء» يذكر أبوابا من الفقه كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج ويذكر أحكامها على المذهب الشافعي، والمالكي، والحنبلي، والحنفي، ومذهب الشيعة، ومذهب الخوارج.