صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم، كقوله عزّ وجل: وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم/ ١٥]، وقوله تعالى:
وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا [مريم/ ٣٢]، وقوله عزّ وجل: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ [المائدة/ ٢٢]، وقوله عزّ وجل:
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر/ ٣٥]، أي: متعال عن قبول الحق والإيمان له. يقال للقاهر غيره: جَبَّار، نحو:
وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق/ ٤٥]، ولتصور القهر بالعلو على الأقران قيل: نخلة جبّارة وناقة جبّار «١». وما روي في الخبر: «ضرس الكافر في النار مثل أحد، وكثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبّار» «٢» فقد قال ابن قتيبة: هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له: ذراع الشاة «٣». فأمّا في وصفه تعالى نحو: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
[الحشر/ ٢٣]، فقد قيل: سمي بذلك من قولهم: جَبَرْتُ الفقير، لأنّه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه، وقيل: لأنه يجبر الناس، أي: يقهرهم على ما يريده «٤».
ودفع بعض أهل اللغة «٥» ذلك من حيث اللفظ، فقال: لا يقال من: «أفعلت» فعّال، فجبّار لا يبنى من: أجبرت، فأجيب عنه بأنّ ذلك من لفظ الجبر المروي في قوله: «لا جَبْرَ ولا تفويض» لا من لفظ الإجبار «٦»، وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا: يتعالى الله عن ذلك، وليس ذلك بمنكر فإنّ الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية، لا على ما تتوهمه الغواة والجهلة، وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث، وسخّر كلا منهم لصناعة يتعاطاها، وطريقة من الأخلاق والأعمال يتحرّاها، وجعله

(١) غريب الحديث لابن قتيبة ١/ ٦١٥.
(٢) قوله عليه السلام: «ضرس الكافر في النار مثل أحد» هذا الشطر صحيح متفق على صحته. وأخرجه البخاري في صحيحه. انظر: فتح الباري ١١/ ٤١٥، وأخرجه أحمد ٢/ ٣٢٨، وابن حبان (انظر: الإحسان ٩/ ٢٨٤)، ومسلم (٢٨٥١)، وعارضة الأحوذي ١٠/ ٤٧. وقوله: «وكثافة جلده... » قال ابن حجر: وأخرجه البزار عن أبي هريرة بسند صحيح بلفظ: «غلظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبّار» وأخرجه البيهقي، وعند ابن المبارك في الزهد بسند صحيح: «وكثافة جلده سبعون ذراعا». انظر: فتح الباري ١١/ ٤٢٣، والزهد لابن المبارك ص ٨٧، وشرح السنة ١٥/ ٢٥٠.
(٣) قال ابن حجر: وجزم ابن حبان لما أخرجه في صحيحه بأنّ الجبار ملك كان باليمن. انظر: فتح الباري ١٥/ ٤٢٣.
(٤) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص ٤٨.
(٥) وهو ابن قتيبة في غريب الحديث ٢/ ١٤٥.
(٦) قال ابن الأثير: يكون من اللغة الأخرى، يقال: جبرت وأجبرت بمعنى قهرت. وانظر: النهاية ١/ ٢٣٦، ومعاني الفراء ٣/ ٨١، والغريبين ١/ ٣١٢.


الصفحة التالية
Icon