من الكلام ما تجاوز موضعه الذي وضع له، والحقيقة ما لم يتجاوز ذلك.
جاس
قال تعالى: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ
[الإسراء/ ٥]، أي: توسّطوها وتردّدوا بينها، ويقارب ذلك جازوا وداسوا، وقيل: الجَوْس:
طلب ذلك الشيء باستقصاء، والمجوس معروف.
جوع
الجُوع: الألم الذي ينال الحيوان من خلّو المعدة من الطعام، والمَجَاعة: عبارة عن زمان الجدب، ويقال: رجل جائع وجوعان: إذا كثر جوعه.
جاء
جاء يجيء ومَجِيئا، والمجيء كالإتيان، لكن المجيء أعمّ، لأنّ الإتيان مجيء بسهولة، والإتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول، والمجيء يقال اعتبارا بالحصول، ويقال «١» : جاء في الأعيان والمعاني، ولما يكون مجيئه بذاته وبأمره، ولمن قصد مكانا أو عملا أو زمانا، قال الله عزّ وجلّ: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى [يس/ ٢٠]، وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ [غافر/ ٣٤]، وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ [هود/ ٧٧]، فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ [الأحزاب/ ١٩]، إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ [يونس/ ٤٩]، بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي [الزمر/ ٥٩]، فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً [الفرقان/ ٤]، أي: قصدوا الكلام وتعدّوه، فاستعمل فيه المجيء كما استعمل فيه القصد، قال تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأحزاب/ ١٠]، وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر/ ٢٢]، فهذا بالأمر لا بالذات، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه «٢»، وكذا قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ [يونس/ ٧٦]، يقال: جاءه بكذا وأجاءه، قال الله تعالى: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم/ ٢٣]، قيل: ألجأها، وإنما هو معدّى عن جاء، وعلى هذا قولهم: (شرّ ما أجاءك إلى مخّه عرقوب) «٣»، وقول الشاعر:
١٠٢-
أجاءته المخافة والرّجاء
«٤»

(١) انظر: البصائر ١/ ٤١٢.
(٢) وهو مرويّ عن الحسن البصريّ. راجع تفسير القرطبي، والبصائر ١/ ٤١٢.
(٣) قال الميداني: يضرب للمضطر جدا، والمعنى: ما ألجأك إليها إلا شرّ، أي: فاقة وفقر، وذلك أن العرقوب لا مخّ له، وإنما يحوج إليه من لا يقدر على شيء. انظر: مجمع الأمثال ١/ ٣٥٨، وفي اللسان: عراقيب الأمور: عظامها، وصعابها وما دخل من اللبس فيها، وأمثال أبي عبيد ص ٣١٢.
(٤) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، وشطره:
وسار جاء معتمدا إلينا
وهو في ديوانه ص ١٣.


الصفحة التالية
Icon