نحو: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر/ ١]، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ
[الأنبياء/ ٤٧]، وقوله عزّ وجلّ: وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ [الحاقة/ ٢٦]، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة/ ٢٠]، فالهاء فيها للوقف، نحو:
مالِيَهْ «١» وسُلْطانِيَهْ «٢»، وقال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ [آل عمران/ ١٩٩]، وقوله عزّ وجلّ: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً [عم/ ٣٦]، فقد قيل: كافيا، وقيل: ذلك إشارة إلى ما قال: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم/ ٣٩]، وقوله: يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ [البقرة/ ٢١٢]. ففيه أوجه:
الأول: يعطيه أكثر ممّا يستحقه.
والثاني: يعطيه ولا يأخذه منه.
والثالث: يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه، كقول الشاعر:
١١٢-
عطاياه يحصى قبل إحصائها القطر
والرابع: يعطيه بلا مضايقة، من قولهم:
حاسبته: إذا ضايقته.
والخامس: يعطيه أكثر مما يحسبه.
والسادس: أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا على حسب حسابهم، وذلك نحو ما نبّه عليه بقوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ... الآية [الزخرف/ ٣٣].
والسابع: يعطي المؤمن ولا يحاسبه عليه، ووجه ذلك أنّ المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب وكما يجب، وفي وقت ما يجب، ولا ينفق إلا كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حسابا يضرّ، كما روي: «من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة» «٤».
والثامن: يقابل الله المؤمنين في القيامة لا بقدر استحقاقهم، بل بأكثر منه كما قال عزّ وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [البقرة/ ٢٤٥].
وعلى هذه الأوجه قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ [غافر/ ٤٠]، وقوله تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ
(٢) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ سورة الحاقة: آية ٢٩.
(٣) الشطر نسبه المؤلف في «المحاضرات» لدعبل الخزاعي، وفيه (معاليه يحصى قبل إحصائها القطر). انظر:
محاضرات الأدباء ١/ ٢٩٨.
(٤) عن عمر بن الخطاب قال: إنما يخفّ الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا. أخرجه الترمذي. انظر عارضة الأحوذي ٩/ ٢٨٢، وأحمد في الزهد ص ١٤٩.