تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ [الأنفال/ ٨] فإحقاق الحقّ على ضربين.
أحدهما: بإظهار الأدلّة والآيات، كما قال تعالى: وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً [النساء/ ٩١]، أي: حجة قوية.
والثاني: بإكمال الشريعة وبثّها في الكافّة، كقوله تعالى: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [الصف/ ٨]، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة/ ٣٣]، وقوله: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ
[الحاقة/ ١]، إشارة إلى القيامة، كما فسّره بقوله: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ [المطففين/ ٦]، لأنه يحقّ فيه الجزاء، ويقال: حَاقَقْتُهُ فَحَقَقْتُهُ، أي خاصمته في الحقّ فغلبته، وقال عمر رضي الله عنه: (إذا النساء بلغن نصّ الحقاق فالعصبة أولى في ذلك) «١».
وفلان نَزِقُ الحِقَاق: إذا خاصم في صغار الأمور «٢»، ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو: كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
[الروم/ ٤٧]، كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس/ ١٠٣]، وقوله تعالى:
حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ
[الأعراف/ ١٠٥]، قيل معناه: جدير، وقرئ:
حَقِيقٌ عَلى «٣» قيل: واجب، وقوله تعالى:
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة/ ٢٢٨]، والحقيقة تستعمل تارة في الشيء الذي له ثبات ووجود، كقوله صلّى الله عليه وسلم لحارث: «لكلّ حقّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» «٤»، أي: ما الذي ينبئ عن كون ما تدّعيه حقّا؟
وفلان يحمي حقيقته، أي: ما يحقّ عليه أن يحمى. وتارة تستعمل في الاعتقاد كما تقدّم، وتارة في العمل وفي القول، فيقال: فلان لفعله حقيقة: إذا لم يكن مرائيا فيه، ولقوله حقيقة: إذا لم يكن مترخّصا ومتزيدا، ويستعمل في ضدّه المتجوّز والمتوسّع والمتفسّح، وقيل: الدنيا باطل، والآخرة حقيقة، تنبيها على زوال هذه
(٢) انظر: المجمل ١/ ٢١٥.
(٣) وبها قرأ نافع وحده. انظر: الإتحاف ص ٢١٧.
(٤) عن صالح بن مسمار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لحارث بن مالك: كيف أنت؟ أو: ما أنت يا حارث؟ قال: مؤمن يا رسول الله، قال: مؤمن حقا؟ قال: مؤمن حقا. قال: لكلّ حقّ حقيقة، فما حقيقة ذلك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي عزّ وجل، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أسمع عواء أهل النار، فقال رسول الله: «مؤمن نوّر الله قلبه». أخرجه ابن المبارك في الزهد ص ١٠٦ مرسلا والبزار والطبراني، وهو حديث معضل. انظر: الإصابة ١/ ٢٨٩، ومجمع الزوائد ١/ ٥٧.