على التشبيه، واستحمّ الفرس: عرق، وسمي الحمّام حمّاما، إمّا لأنه يعرّق، وإمّا لما فيه من الماء الحارّ، واستحمّ فلان: دخل الحمّام، وقوله عزّ وجل: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ
[الشعراء/ ١٠٠- ١٠١]، وقوله تعالى: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج/ ١٠]، فهو القريب المشفق، فكأنّه الذي يحتدّ حماية لذويه، وقيل لخاصة الرّجل: حامّته، فقيل:
الحامّة والعامّة، وذلك لما قلنا، ويدلّ على ذلك أنه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان حزانته «١»، أي: الذين يحزنون له، واحتمّ فلان لفلان:
احتدّ «٢»، وذلك أبلغ من اهتمّ لما فيه من معنى الاحتمام، وأحمّ الشّحم: أذابه، وصار كالحميم، وقوله عزّ وجل: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ
[الواقعة/ ٤٣]، للحميم، فهو يفعول من ذلك، وقيل: أصله الدخان الشديد السّواد «٣»، وتسميته إمّا لما فيه من فرط الحرارة، كما فسّره في قوله: لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة/ ٤٤]، أو لما تصوّر فيه من لفظ الحممة فقد قيل للأسود يحموم، وهو من لفظ الحممة، وإليه أشير بقوله: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر/ ١٦]، وعبّر عن الموت بالحمام، كقولهم: حُمَّ كذا، أي: قدّر، والحُمَّى سمّيت بذلك إمّا لما فيها من الحرارة المفرطة، وعلى ذلك قوله صلّى الله عليه وسلم: «الحمّى من فيح جهنّم» «٤»، وإمّا لما يعرض فيها من الحميم، أي:
العرق، وإمّا لكونها من أمارات الحِمَام، لقولهم: «الحمّى بريد الموت» «٥»، وقيل: «باب الموت»، وسمّي حمّى البعير حُمَاماً «٦» بضمة الحاء، فجعل لفظه من لفظ الحمام لما قيل: إنه قلّما يبرأ البعير من الحمّى. وقيل: حَمَّمَ الفرخ «٧» : إذا اسودّ جلده من الريش، وحمّم
(٢) انظر: البصائر ٢/ ٤٩٨.
(٣) وهو قول ابن سيده، راجع: اللسان (حمم) ١٢/ ١٥٧.
(٤) الحديث عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «الحمّى من فيح جهنّم، فأبردوها بالماء». أخرجه البخاري في الطب، باب الحمى من فيح جهنم ١٠/ ١٧٤، ومسلم في السلام: باب لكل داء دواء برقم (٢٢١٠)، وأحمد في مسنده ١/ ٢٩١، ومالك في الموطأ، انظر: شرح الزرقاني ٤/ ٣٣١، وابن ماجة ٢/ ١١٥٠.
(٥) هذا حديث: أخرجه أبو نعيم وابن السنّي في الطب وهنّاد في الزهد، وابن أبي الدنيا في المرض والكفارات ولفظه:
«الحمى رائد الموت وهي سجن الله للمؤمن يحبس بها عبده إذا شاء ثم يرسله إذا شاء، ففتّروها بالماء» وذكره ابن حجر المكي في فتاويه «الحمى بريد الموت». قال في المقاصد: وبالجملة فهو حديث حسن. انظر: الفتح الكبير ٢/ ٨١، وكشف الخفاء ١/ ٣٦٦، والمقاصد الحسنة ص ١٩٤.
(٦) في اللسان: والحمام بالضم: حمّى الإبل والدواب، جاء على عامة ما يجيء عليه الأدواء.
(٧) انظر: المجمل ١/ ٢١٨.