وتارة لمتحمّل القول والرِّسَالَةِ. والرَّسُولُ يقال للواحد والجمع، قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
[التوبة/ ١٢٨]، وللجمع:
ُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
[الشعراء/ ١٦]، وقال الشاعر:
١٨٩-

ألكني إليها وخير الرّسو ل أعلمهم بنواحي الخبر «١»
وجمع الرّسول رُسُلٌ. ورُسُلُ الله تارة يراد بها الملائكة، وتارة يراد بها الأنبياء، فمن الملائكة قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير/ ١٩]، وقوله: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود/ ٨١]، وقوله: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ [هود/ ٧٧]، وقال: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى [العنكبوت/ ٣١]، وقال: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً
[المرسلات/ ١]، بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف/ ٨٠]، ومن الأنبياء قوله:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ
[آل عمران/ ١٤٤]، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
[المائدة/ ٦٧]، وقوله: وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
[الأنعام/ ٤٨]، فمحمول على رسله من الملائكة والإنس.
وقوله: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً
[المؤمنون/ ٥١]، قيل: عني به الرّسول وصفوة أصحابه، فسمّاهم رسلا لضمّهم إليه «٢»، كتسميتهم المهلّب «٣» وأولاده:
المهالبة. والْإِرْسَالُ يقال في الإنسان، وفي الأشياء المحبوبة، والمكروهة، وقد يكون ذلك بالتّسخير، كإرسال الريح، والمطر، نحو:
وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً
[الأنعام/ ٦]، وقد يكون ببعث من له اختيار، نحو إِرْسَالِ الرّسل، قال تعالى: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً
[الأنعام/ ٦١]، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ
[الشعراء/ ٥٣]، وقد يكون ذلك بالتّخلية، وترك المنع، نحو قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم/ ٨٣]، والْإِرْسَالُ يقابل الإمساك. قال تعالى: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ
[فاطر/ ٢]، والرَّسْلُ من الإبل والغنم: ما يَسْتَرْسِلُ في السّير، يقال: جاءوا أَرْسَالًا، أي:
متتابعين، والرِّسْلُ: اللّبن الكثير المتتابع الدّرّ.
(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وهو في ديوان الهذليين ١/ ١٤٦، والبصائر ٣/ ٧٠، واللسان (ألك).
(٢) وقال بعض العلماء: الخطاب في هذه الآية للنبي صلّى الله عليه وسلم، وأنه أقامه مقام الرسل. راجع: القرطبي ١٢/ ١٢٧.
(٣) هو المهلّب بن أبي صفرة، كان والي خراسان من جهة الحجاج بن يوسف الثقفي، وأولاده يقال لهم المهالبة، وله يد طولى في قتال الخوارج، توفي سنة ٨٣ هـ.
انظر: أخباره في وفيات الأعيان ٥/ ٣٥٠، والكامل لابن الأثير، وشذرات الذهب ١/ ٩٥.


الصفحة التالية
Icon