[ق/ ٤٠]، قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ [القلم/ ٢٨]، أي: هلّا تعبدونه وتشكرونه، وحمل ذلك على الاستثناء، وهو أن يقول: إن شاء الله، ويدلّ على ذلك قوله: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ [القلم/ ١٧]، وقال: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء/ ٤٤]، فذلك نحو قوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [الرعد/ ١٥]، وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [النحل/ ٤٩]، فذلك يقتضي أن يكون تسبيحا على الحقيقة، وسجودا له على وجه لا نفقهه، بدلالة قوله: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء/ ٤٤]، ودلالة قوله:
وَمَنْ فِيهِنَّ [الإسراء/ ٤٤]، بعد ذكر السّموات والأرض، ولا يصحّ أن يكون تقديره:
يسبّح له من في السّموات، ويسجد له من في الأرض، لأنّ هذا ممّا نفقهه، ولأنه محال أن يكون ذلك تقديره، ثم يعطف عليه بقوله:
وَمَنْ فِيهِنَّ والأشياء كلّها تسبّح له وتسجد، بعضها بالتّسخير وبعضها بالاختيار، ولا خلاف أنّ السّموات والأرض والدّوابّ مُسَبِّحَاتٌ بالتّسخير، من حيث إنّ أحوالها تدلّ على حكمة الله تعالى، وإنّما الخلاف في السموات والأرض هل تسبّح باختيار؟ والآية تقتضي ذلك بما ذكرت من الدّلالة، و (سُبْحَانَ) أصله مصدر نحو:
غفران، قال فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ [الروم/ ١٧]، وسُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا [البقرة/ ٣٢]، وقول الشاعر:
٢٢٤-
سبحان من علقمة الفاخر
«١» قيل: تقديره سبحان علقمة على طريق التّهكّم، فزاد فيه (من) ردّا إلى أصله «٢»، وقيل:
أراد سبحان الله من أجل علقمة، فحذف المضاف إليه. والسُّبُّوحُ القدّوس من أسماء الله تعالى «٣»، وليس في كلامهم فعّول سواهما «٤»،
أقول لما جاءني فخره
وهو للأعشى في ديوانه ص ٩٣، والمجمل ٢/ ٤٨٢، والجمهرة ١/ ٢٢٢.
(٢) قال البغدادي: وزعم الراغب أن «سبحان» في هذا البيت مضاف إلى علقمة، ومن زائدة، وهو ضعيف لغة وصناعة، أما الأول: فلأنّ العرب لا تستعمله إلا إلى الله، أو إلى ضميره، أو إلى الرب، ولم يسمع إضافته إلى [استدراك] غيره. أما صناعة: فلأنّ «من» لا تزاد في الواجب عند البصريين. انظر: خزانة الأدب ٧/ ٢٤٥.
(٣) انظر: الأسماء والصفات ص ٥٤- ٥٥.
(٤) قال ابن دريد: باب ما جاء على فعّول، فألحق بالخماسي للزوائد والتضعيف الذي فيه، وهو مفتوح كله إلا السّبوح، والقدّوس، والذّرّوح، وهو الطائر السمّ. انظر: جمهرة اللغة ٣/ ٣٩٧.
وقال أبو زيد: تقول العرب: سبّوح وقدّوس وسمّور وذرّوح، وقد قالوا بالضّم، وهو أعلى، وذرّوح: واحد الذراريح، وهي الدود الصغار. انظر: الجمهرة ٣/ ٤٦٣، وديوان الأدب ١/ ٢٣٢.