السَّلَامُ اسم من أسماء الله تعالى «١»، وكذا قيل في قوله: لَهُمْ دارُ السَّلامِ [الأنعام/ ١٢٧]، والسَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
[الحشر/ ٢٣]، قيل: وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق، وقوله: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس/ ٥٨]، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ [الرعد/ ٢٤]، سلام على آل ياسين «٢» كلّ ذلك من الناس بالقول، ومن الله تعالى بالفعل، وهو إعطاء ما تقدّم ذكره ممّا يكون في الجنّة من السّلامة، وقوله: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً
[الفرقان/ ٦٣]، أي: نطلب منكم السّلامة، فيكون قوله (سلاما) نصبا بإضمار فعل، وقيل: معناه: قالوا سَلَاماً، أي: سدادا من القول، فعلى هذا يكون صفة لمصدر محذوف. وقوله تعالى: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ [الذاريات/ ٢٥]، فإنما رفع الثاني، لأنّ الرّفع في باب الدّعاء أبلغ «٣»، فكأنّه تحرّى في باب الأدب المأمور به في قوله: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها [النساء/ ٨٦]، ومن قرأ سلم «٤» فلأنّ السّلام لمّا كان يقتضي السّلم، وكان إبراهيم عليه السلام قد أوجس منهم خيفة، فلمّا رآهم مُسَلِّمِينَ تصوّر من تَسْلِيمِهِمْ أنهم قد بذلوا له سلما، فقال في جوابهم: (سلم)، تنبيها أنّ ذلك من جهتي لكم كما حصل من جهتكم لي. وقوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً
[الواقعة/ ٢٥- ٢٦]، فهذا لا يكون لهم بالقول فقط، بل ذلك بالقول والفعل جميعا. وعلى ذلك قوله تعالى: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ [الواقعة/ ٩١]، وقوله:
وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف/ ٨٩]، فهذا في الظاهر أن تُسَلِّمَ عليهم، وفي الحقيقة سؤال الله السَّلَامَةَ منهم، وقوله تعالى: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ [الصافات/ ٧٩]، سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ [الصافات/ ١٢٠]، سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ [الصافات/ ١٠٩]، كلّ هذا تنبيه من الله تعالى أنّه جعلهم بحيث يثنى

(١) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص ٥٣، والمقصد الأسنى للغزالي ص ٤٧.
(٢) سورة الصافات: آية ١٣٠، وهي قراءة نافع وابن عامر ويعقوب. انظر: الإتحاف ص ٣٧٠.
(٣) قال ابن القيم: إنّ سلام الملائكة تضمّن جملة فعلية، لأنّ نصب السلام يدل على: سلمنا عليك سلاما، وسلام إبراهيم تضمن جملة اسمية، لأن رفعه يدل على أن المعنى: سلام عليكم، والجملة الاسمية تدل على الثبوت والتقرر، والفعلية تدل على الحدوث والتجدد، فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه. انظر: بدائع الفوائد ٢/ ١٥٧.
(٤) وهي قراءة حمزة والكسائي. انظر: الإتحاف ص ٣٩٩.


الصفحة التالية
Icon